صفحة جزء
861 - مسألة :

ومن أغمي عليه ، أو جن ، أو نام قبل الزوال من يوم عرفة فلم يفق ، ولا استيقظ إلا بعد طلوع الفجر من ليلة يوم النحر ، فقد بطل حجه ، سواء وقف به بعرفة أو لم يقف به .

وكذلك من أغمي عليه أو جن ، أو نام قبل أن يدرك شيئا من صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام فلم يفق ولا استيقظ إلا بعد سلام الإمام من صلاة الصبح ; فقد بطل حجه .

فإن كانت امرأة فنامت ، أو جنت ، أو أغمي عليها قبل أن تقف بمزدلفة فلم تفق ، [ ص: 205 ] ولا انتبهت حتى طلعت الشمس من يوم النحر ، فقد بطل حجها ، وسواء وقف بها بمزدلفة ، أو لم يقف ، لأن الأعمال المذكورة فرض من فرائض الحج .

وقال الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } .

فصح أنه لا يجزي عمل مأمور به إلا بنية القصد إليه مؤدى بإخلاص لله تعالى فيه كما أمر عز وجل ; وكل من ذكرنا فلم يعبد الله في الأعمال المذكورة مخلصا له الدين بها فلم يأت بها ، ولا حج لمن لم يأت بها ، ولا يجزي أن يقف به غيره هنالك لقول الله تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة } وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } .

وكذلك لو أن امرأ مر بعرفة مجتازا ليلة النحر - نزل بها أو لم ينزل - وهو لا يدري أنها عرفة - فلا يجزئه ذلك ولا حج له حتى يقف بها قاصدا إلى الوقوف بها كما أمره الله تعالى .

واختلف الناس في هذا ، فقال مالك : لا يجزئ أن يحرم أحد عن غيره فإذا أحرم بنية الحج أجزأ كل عمل في الحج بلا نية .

وقال أبو حنيفة ، والشافعي : أعمال الحج كلها تجزي بلا نية ، ولو أن من لم يحج قط حج ولا ينوي إلا التطوع أجزأه عن حجة الفرض .

قال أبو محمد : وهذه أقوال في غاية الفساد والتناقض ، وقد أجمعوا لو أن امرأ عليه صلاة الصبح فصلى ركعتين تطوعا ، أو عليه الظهر فصلى أربعا تطوعا أن ذلك لا يجزئه من الفرض ، وأن من عليه زكاة خمسة دراهم فتصدق بخمسة دراهم تطوعا أنها لا تجزئه من الفرض .

وأجمعوا إلا زفر : أن من صام يوما من رمضان ينوي به التطوع فقط ، أو لا ينوي به شيئا فإنه لا يجزئه من صوم الفرض - فليت شعري أي فرق بين الصوم ، والصلاة ، والزكاة ، والحج لو نصحوا أنفسهم ؟ فإن قالوا : قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن للصبي حجا ، وسمع إنسانا لم يكن حج يلبي عن شبرمة فقال [ له ] { اجعل حجك هذا عن نفسك ثم حج عن شبرمة } . [ ص: 206 ]

قلنا : أما إخباره عليه السلام أن للصبي حجا فخبر صحيح ثابت ولا متعلق لكم به ; لأنه لم يجعل عليه السلام ذلك الحج جازيا من حج الفريضة ، فهو حجة لنا عليكم ، ونحن نقول : إن للصبي حجا كما قال عليه السلام وهو تطوع لا يجزئ عن الفرض ، ونحن نقول : إن للصبي صلاة وصوما وكل ذلك تطوع منه وله ، وقد كان الصبيان يشهدون الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حج بهم معه ولا فرق .

وأما خبر شبرمة فلا يصح ، ولو صح لما كان لهم فيه حجة ; لأنه ليس فيه أن حجه عن شبرمة يجزي عن الذي حج عنه ، بل هو حجة عليهم ; لأن فيه أن يجعل الحجة على نفسه ، وفي هذا إيجاب للنية بها عن نفسه فهو حجة عليهم - وبالله تعالى التوفيق .

وروينا عن الحسن فيمن عليه شهران متتابعان من كفارة ظهار ، أو نذر ، وعليه حج نذره ولم يكن حج حجة الفريضة فصام شعبان ورمضان وحج فإن ذلك يجزئه عما كان عليه ، وعن فرض رمضان ، وتلك الحجة تجزئه عن نذره وفرض الإسلام ، وهذا خطأ لما ذكرنا قبل - وهو قول أصحابنا - وبالله تعالى التوفيق .

فإن قال مالكي : الحج كصوم اليوم إذا دخل فيه بنية ، ثم عزبت نيته أجزأه ؟ قلنا : ليس كذلك ; لأن الحج أعمال كثيرة متغايرة يحول بينها ما ليس منها كالتلبية ، والوقوف بعرفة ، ومزدلفة ، ورمي الجمار ، وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ، فلا بد لكل عمل من نية له .

وأما الإحرام فهو عمل متصل لا ينفصل فيجزئه نية الدخول فيه ما لم يتعمد إحالة نيته أو إبطال إحرامه - وبالله تعالى نتأيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية