صفحة جزء
918 مسألة :

ولا تحل لقطة في حرم مكة ، ولا لقطة من أحرم بحج ، أو عمرة ، مذ يحرم إلى أن يتم جميع عمل حجه .

إلا لمن ينشدها أبدا لا يحد تعريفها بعام ولا بأكثر ولا بأقل ، فإن يئس من معرفة صاحبها قطعا متيقنا حلت حينئذ لواجدها ، بخلاف سائر اللقطات التي تحل له بعد العام .

روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا الوليد بن مسلم نا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثني أبو هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد } وذكر باقي الحديث .

قال أبو محمد : ليست هذه إلا صفة الحرم لا الحل .

ومن طريق البخاري نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس { أن رسول الله عليه السلام قال يوم فتح مكة : هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة } ثم ذكر كلاما وفيه { فلا يلتقط لقطته إلا من عرفها } وذكر الحديث ، فأحلها عليه السلام للمنشد وأوجب تعريفها بغير تحديد . [ ص: 324 ]

وقال عليه السلام : " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " . واللقطة هي غير مال الملتقط فهي عليه حرام .

والتعريف إنما هو ليوجد من يعرفها أو صاحبها فهذا الحكم لازم ، فإذا يئس بيقين عن معرفة صاحبها سقط التعريف ، إذ من الباطل تعريف ما يوقن أنه لا يعرف ، وإذا سقط التعريف حلت حينئذ بالنص لمنشدها .

ومن طريق أبي داود نا أحمد بن صالح نا ابن وهب نا عمرو بن الحارث عن بكير هو ابن عبد الله بن الأشج - عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي " أن رسول الله عليه السلام { نهى عن لقطة الحاج }

قال أبو محمد : الحاج هو من هو في عمل الحج ، وأما قبل أن يشرع في العمل فهو مريد للحج وليس حاجا بعد ، وأما بعد إتمامه عمل الحج فقد حج وليس حاجا الآن ، وإنما سمي حاجا مجازا ، كما أن الصائم ، أو المصلي ، أو المجاهد ، إنما هو صائم ، ومصل ، ومجاهد ، ما دام في عمل ذلك ، وكذلك كل ذلك .

ونهيه عليه السلام عن لقطة لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما ، إما أن يكون نهى عليه السلام عن أخذها ، أو نهى عن تملكها ، فأما أخذها فقد قال - تعالى - : { وتعاونوا على البر والتقوى } ونهى عليه السلام عن إضاعة المال ، وتركها إضاعة لها بلا شك ، وحفظها تعاون على البر والتقوى .

فصح أنه إنما نهى عليه السلام عن تملكها وأيضا فإنه عليه السلام لم ينه عن حفظها ولا عن تعريفها ، وإنما نهى عنها بعينها ، هذا نص الحديث .

فصح أنه إنما نهى عن تملكها فإذا يئس عن معرفة صاحبها بيقين فكل مال لا يعرف صاحبه فهو لله - تعالى - ، ثم في مصالح عباده ، والملتقط أحدهم وهي في يده فهو أحق بها ، ولا يتعدى به إلى غيره إلا ببرهان ، وحكم المعتمر كحكم الحاج لقوله عليه السلام { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } وبالله - تعالى - التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية