صفحة جزء
. 960 - مسألة والجزية لازمة للحر منهم والعبد ، والذكر ، والأنثى ، والفقير البات ، والغني الراهب سواء من البالغين خاصة ، لقول الله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .

ولا خلاف في أن الدين لازم للنساء كلزومه للرجال ولم يأت نص بالفرق بينهم في [ ص: 416 ] الجزية صح عن عمر بن عبد العزيز : أنه فرض الجزية على رهبان الديارات ، على كل راهب دينارين .

ومن طريق سفيان الثوري أن عمر بن عبد العزيز أخذ الجزية من عتقاء المسلمين من اليهود والنصارى

وقال مالك : لا تؤخذ الجزية ممن أعتقه مسلم ، أو كافر .

وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان : تؤخذ الجزية منهم وما نعلم لقول مالك حجة أصلا .

فإن قيل : قد صح عن عمر رضي الله عنه أن تؤخذ الجزية من كل من جرت عليه المواسي إلا النساء ؟ قلنا : أنتم أول من خالفتم هذا الحكم فأسقطتموها عن المعتقين ، والرهبان ، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد جاءت في هذا آثار مرسلة وهي كما روينا من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة من أهل الذمة دينارا أو قيمته من المعافر } قال أبو محمد : على هذا الإسناد عولوا في أخذ التبيع من الثلاثين من البقر والمسنة من الأربعين ، ومن المحال أن يكون خبر حجة في شيء غير حجة في غيره .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال { في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن : من كره الإسلام من يهودي ، أو نصراني فإنه لا يحول عن دينه وعليه الجزية على كل حالم ذكر ، أو أنثى ، حر أو عبد : دينار واف من قيمة المعافر أو عرضه } .

ومن طريق أبي عبيد نا جرير بن عبد الحميد عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم بن عتيبة قال : { كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ وهو باليمن : في الحالم ، أو الحالمة دينار ، أو عدله من المعافر } [ ص: 417 ] قال أبو محمد : الحنفيون ، والمالكيون يقولون : إن المرسل أقوى من المسند ويأخذون به إذا وافقهم ، فالفرض عليهم أن يأخذوا هاهنا بها فلا مرسل أحسن من هذه المراسيل ، وأما نحن فإنما معولنا على عموم الآية فقط .

فإن قالوا : إنما تؤخذ الجزية ممن يقاتل ؟ قلنا : فلا تأخذوها من المرضى ، ولا من أهل بلدة من بلاد الكفر لزموا بيوتهم وأسواقهم ولم يقاتلوا مسلما .

فإن قالوا : أول الآية { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ؟ قلنا : نعم ، أمرنا بقتالهم إن قاتلونا حتى يعطي جميعهم الجزية عن يد كما في نص الآية ; لأن الضمير راجع إلى أقرب مذكور .

والعجب أن الحنفيين يقيمون أضعاف الصدقة على بني تغلب مقام الجزية ، ثم يضعونها على النساء ، ثم يأبون من أخذ الجزية من النساء .

فإن قالوا : قد نهى عمر عن أخذها من النساء ؟ قلنا : قد صح عن عمر الأمر بالتفريق بين كل ذي محرم من المجوس وأنتم تخالفونه ، وفي ألف قضية قد ذكرنا منها كثيرا ، فلا ندري متى هو عمر حجة ، ولا متى هو ليس حجة ؟ فإن ادعوا إجماعا كذبوا ، ولا سبيل إلى أن يجدوا نهيا عن ذلك عن غير عمر - ومسروق أدرك معاذا وشاهد حكمه باليمن ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه بأخذ الجزية من النساء ، ومن المحال أن يخالف معاذ ما كتب إليه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق .

روينا من طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا الفضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد قال : يقاتل أهل الأوثان على الإسلام ، ويقاتل أهل الكتاب على الجزية ، وهذا عموم للرجال والنساء - وهو قولنا .

وقال الشافعي ، وأبو سليمان : لا تقبل الجزية إلا من كتابي . [ ص: 418 ] وأما غيرهم : فالإسلام ، أو القتل - الرجال والنساء - وهو نص القرآن .

فالتفريق بين [ كل ] ذلك لا يجوز ، ولا يحل ألبتة أن يبقى مخاطب مكلف لا يسلم ، ولا يؤدي الجزية ، ولا يقتل ; لأنه خلاف القرآن والسنن .

ولا خلاف بين أحد من الأمة في النساء مكلفات من دين الإسلام ومفارقة الكفر ما يلزم الرجال سواء سواء ، فلا يحل إبقاؤهن على الكفر بغير قتل ولا جزية .

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما [ قد ] ذكرناه قبل بإسناده : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، ويؤمنوا بما أرسلت به - فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها وحسابهم على الله } .

ولا يختلفون في أن هذه اللوازم كلها هي على النساء كما هي على الرجال ، وأن أموالهن في الكفر مغنومة كأموال الرجال ; فثبت يقينا أنهن لا يعصمن دماءهن وأموالهن إلا بما يعصم الرجال به أموالهم ودماءهم ، أو الجزية إن كن كتابيات ولا بد - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية