صفحة جزء
باب العفو عن الجناية في المرض ( قال رحمه الله ) : وإذا جرح العبد رجلا حرا خطأ فمات الحر منها ، قد عفى عن هذا الدم في مرضه وليس له مال ، وقيمة العبد ألف درهم قيل لمولاه : أتدفع أو تفدي . فإن اختار الدفع دفع ثلثه ; لأن العبد صار مستحقا بجنايته ولا مال للعافي غيره ، والعفو وصية منه لمولاه ; لأن الاستحقاق مال على المولى فيجوز في ثلاثة ، وإن اختار الفداء جاز العفو في خمسة أسداس العبد ويفدي سدسه بسدس الدية ; لأنه يمكن تصحيح العفو في جميعه ، فإنه لا يسلم لورثته شيء من المال إذا صححنا العفو في جميعه ولا يمكن إبطاله في الكل ; لأنه يفديه حينئذ بعشرة آلاف فيكون العبد خارجا من ثلثه وزيادة . فعرفنا أن صحة العفو هنا في البعض . وطريق معرفة ذلك أنه لو كان للميت ألفا درهم ضعف قيمة ذلك العبد لكان العفو يجوز في جميعه فالسبيل أن [ ص: 61 ] نضم نصف القيمة إلى الدية ، ثم نبطل من العفو حصة ضعف القيمة من الجملة ; لأن بطلان العفو باعتبار أنا لم نجد ذلك القدر وضعف القيمة ألفا درهم ، فإذا ضممته إلى الدية كان اثنا عشر ألفا ضعف القيمة من الجملة هو السدس ; فلهذا جازت الهبة في خمسة أسداس العبد وبطلت في السدس فيفديه بسدس الدية ، وذلك ألف وثلثا ألف فيسلم ذلك للورثة ، قد نفذنا العفو في نصف ذلك ، وهو خمسة أسداس العبد قيمته ثمانمائة درهم وثلاثة وثلاثون وثلث .

وعلى طريق الجبر يجوز العفو في شيء من العبد ، ثم يفدي ما بقي منه وهو عبد إلا شيئا بعشرة أمثاله ; لأن الدية من القيمة هكذا ، فيصير في يد الوارث عشرة أموال إلا عشرة أشياء تعدل شيئين ; لأنا جوزنا العفو في شيء وحاجة الورثة إلى شيئين فتجبر الأموال بعشرة أشياء ويزيد على ما نفذ مثلها فكانت عشرة أموال تعدل اثنا عشر شيئا ، فالمال الواحد يعدل شيئا وخمسا فانكسر بالأخماس فاضرب شيئا وخمسا في خمسة فيكون ستة فظهر أن المال الكامل ستة ، قد جوزنا العفو في شيء فضربنا كل شيء في خمسة فتبين أن العفو إنما جاز في خمسة أسداس العبد .

وإن كانت قيمته ألفين واختار الفداء فدى سبعة بسبعي الدية ; لأنا نأخذ ضعف قيمة العبد ، وهي أربعة آلاف فنضمه إلى الدية فيكون أربعة عشر ألفا ، ثم ننظر إلى ضعف القيمة كم هو من الجملة فنبطل الهبة بقدره ، وذلك سبعاه فتجوز الهبة في خمسة أسباع العبد وتبطل في السبعين فنفديه بسبعي الدية ، مقداره ألفان وثمانمائة وسبعة وسبعون وسبع ، قد نفذنا الهبة في خمسة أسباع العبد قيمته ألف وأربعة وثمانية وعشرون وثلاثة أسباع مثل نصف ما سلم للورثة .

وعلى طريق الجبر تأخذ مالا مجهولا فيجوز العفو في شيء منه ويبطل في مال إلا شيئا ، ثم تفديه بخمسة أمثاله فيحصل في يد الورثة خمسة أموال إلا خمسة أشياء ، يعدل ذلك شيئين فأجبره بخمسة أشياء ، وزد على ما يعدله مثله فصار خمسة أموال تعدل سبعة أشياء ، والمال الواحد يعدل شيئا وخمسي شيء . فاضرب ذلك في خمسة حتى يتبين أن المال الكامل يعدل سبعة أشياء ، قد جوزنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في خمسة فذلك خمسة أسباع العبد . فإن كان قيمة العبد ألفا وعلى المقتول دين ألف ، فالسبيل فيه إذا اختار الفداء أن يضم نصف القيمة إلى الدية فيكون اثنا عشر ألفا ، ثم يبطل العفو بحصة نصف القيمة وحصة الدين ، وذلك ثلاثة من اثنا عشر ، فعرفنا أن العفو إنما بطل في الربع فنفديه بربع الدية ألفين وخمسمائة فنقضي به الدين ألف درهم وشيء للورثة ألف وخمسمائة ، قد أجزنا العفو في ثلاثة أرباع العبد ، قيمته : [ ص: 62 ] سبعمائة وخمسون فاستقام الثلث والثلثان وعلى طريق الجبر : نجوز العفو في شيء ونبطله في عبد إلا شيئا ، ثم نفدي ذلك بعشرة أمثاله ، وذلك عشرة أموال إلا عشرة أشياء ، ثم يقضى الدين بمال كامل ; لأن الدين ألف درهم ، قد جعلنا العبد ، وقيمته ألف مالا كاملا فيبقى في يد الورثة تسعة أموال إلا عشرة أشياء يعدل ذلك شيئين ، وبعد الجبر ، والمقابلة تكون تسعة أموال تعدل اثني عشر شيئا ، فالمال الواحد يعدل شيئا وثلثا ، فقد انكسر بالأثلاث فاضرب شيئا وثلثا في ثلاثة فيكون أربعة ، قد جوزنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في ثلاثة ، وثلاثة من أربعة بثلاثة أرباعه فصح أن العفو إنما صح في ثلاثة أرباع العبد .

ولو لم يكن على الميت دين وكان له ألف درهم موضوعة ، فدى نصف سدس العبد بنصف سدس الدية ; لأنك تأخذ نصف القيمة فتضمه إلى الدية فيجوز العفو بحصة الدية وخمسة أسداس ، وبحصة الألف الموضوع ، وذلك نصف سدس ، فإنما تبطل الهبة في نصف سدس العبد فيفديه بنصف سدس الدية ، وذلك ثمانمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فحصل للورثة هذا مع الألف ، قد نفذنا الهبة في خمسة أسداس العبد ونصف سدسه ، قيمة ذلك : تسعمائة وستة عشر وثلثان ، فاستقام الثلث والثلثان ، وعلى طريق الجبر : نجوز العفو في شيء ونبطله في عبد إلا شيئا فنفديه بعشرة أمثاله ، وذلك عشرة أموال إلا عشرة أشياء تعدل شيئين ، وبعد الجبر ، والمقابلة أحد عشر مالا يعدل اثني عشر شيئا ، فالمال الواحد يعدل شيئا وجزءا من أحد عشر جزءا من شيء ، فاضربه في أحد عشر ، فظهر أن المال الكامل يعدل اثني عشر ، قد جوزنا العفو في شيء وضربنا كل شيء في أحد عشر فتبين أن العفو إنما جاز في أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا من العبد ، وذلك خمسة أسداسه ونصف سدسه والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية