صفحة جزء
باب الجدات ( قال رضي الله عنه ) اعلم بأن الجدة صاحبة فرض وفريضتها ، وإن كان لا تتلى في القرآن فهي ثابتة بالسنة المشهورة وإجماع الصحابة والسلف والخلف وكفى بإجماعهم حجة ، ثم الكلام في فصول أربعة أحدها في بيان من يرث من الجدات والثاني في مقدار نصيب الجدات والثالث في ترتيب بعض الجدات على البعض في الميراث والرابع في حجب الجدات . فأما في الفصل الأول فالمذهب عند علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أن كل جدة تدلي بعصبة ، أو صاحبة فريضة فهي وارثة وكل جدة تدلي بمن ليس بعصبة ، ولا صاحبة فريضة فهي غير وارثة وبه أخذ علماؤنا وهو معنى قول الفقهاء : كل جدة دخل في نسبها إلى الميت أب بين أمين فإنها لا ترث لأن أب الأم ليس بعصبة ، ولا صاحب فرض هكذا روي عن عمر رضي الله عنه فقد ذكر الشعبي رحمه الله أن عمر رضي الله عنه سئل عن أربع جدات متحاذيات أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب وأم أب الأم فورثهن إلا هذه الواحدة لأن في نسبها إلى الميت أبا بين أمين ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه روايتان إحداهما هكذا والثانية أن الجدات وارثات كلهن والقربى والبعدى منهن سواء على تفصيل نبينه ، وعن ابن عباس رضي الله عنه ثلاث روايات ثنتان كما روينا عن ابن مسعود والثالثة أنها لا ترث من [ ص: 166 ] الجدات إلا واحدة وهي أم الأم وتقوم هي مقام الأم عند عدم الأم في فريضة الأم إما السدس ، أو الثلث وبه أخذ ابن سيرين وأما سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فالمروي عنه أنه لا يرث إلا جدتان حتى روي أن ابن مسعود رضي الله عنه لما عابه في الوتر بركعة قال سعد يعيبني أن أوتر بركعة وهو يورث ثلاث جدات إلا أن أبان ذكر أن مراد سعد من هذا الأخذ عليه في توريث البعدى مع القربى لا في توريث ثلاث جدات في الأصل .

( ألا ترى ) أنه روي في بعض الروايات أن سعدا لما بلغه قول ابن مسعود رضي الله عنه قال هلا يورث حواء وأما مالك وأبو ثور حملا قول سعد على ظاهره وأخذا به فقالا لا يرث من الجدات إلا اثنتان قال أبو ثور وهو قول الشافعي . فأما إبراهيم النخعي والأوزاعي رحمهما الله فقد روي عنهما توريث ثلاث جدات حتى ذكر سفيان عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم { ورث ثلاث جدات } قال سفيان فقلت لإبراهيم ، وما هن فقال أم الأم وأم الأب وأم أم الأب ولكن ذكر جرير عن منصور عن إبراهيم هذا الحديث وذكر فيه عن إبراهيم فقال هي أم أم الأم وأم أم الأب وأم أب الأب فيكون موافقا لمذهبنا والرواية الأخرى لا تكاد تصح لما فيها من توريث البعدى مع القربى والمشهور عن العلماء رحمهم الله بخلاف ذلك وحجتنا في ذلك أن الجدات كما يرثن في الأصول بالولاء فيعتبر حالهن بحال من يرث من الفروع بالولاء وهو ذوو الأرحام من أولاد البنين والبنات وهناك عند التساوي في الدرجة الميراث لمن هو ولد عصبة ، أو ولد صاحب فرض . فكذلك هنا الميراث لمن هي والدة عصبة ، أو صاحب فرض يوضحه أن أم أب الأم تدلي بأب الأب وأب الأم ليس بوارث مع أحد من أصحاب الفرائض والعصبات كأن تدلي به أولى أن لا يرث معهم ، ولأن المدلي لا يكون أقل حالا من المدلى به والدليل عليه أنه إذا اجتمع أم أب الأم وأم أم الأم مع أب الأم فإما أن يقال الميراث لأب الأم دونهما وهذا بعيد لأن أب الأم إذا انفرد عن أمه لا يستحق شيئا فكيف يستحق مع أمه ، ولا جائز أن يكون الميراث للجد دون أب الأب لأن أم الأب تدلي بأب الأم وهو لا يستحق مع أم أم الأم شيئا فأمه التي هي أبعد كيف تستحق فلم يبق إلا أن يكون الميراث لأم أم الأم .

وإذا ثبت هذا في حال حياة أب الأم . فكذلك بعد موته . فأما ابن مسعود رضي الله عنه قد كان يقول توريث الجدات ليس باعتبار الإدلاء لأن أم الأم تدلي بالأم كما أن أب الأم يدلي بالأم والإدلاء بالأنثى إذا كان لا يوجب استحقاق الميراث للذكر لا يوجب [ ص: 167 ] استحقاق الميراث للأنثى كالإدلاء بالابنة فإن بنت البنت كابن البنت في حكم الفريضة والعصوبة وكذلك بنت الأخت كابن الأخت فعرفنا أن استحقاق الجدات إنما ثبت شرعا بمجرد الاسم وهو { أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس } فهذه طعمة أطعم رسول الله الجدات بهذا الاسم والقربى والبعدى ومن يدخل في نسبتها أب بين ابنين ومن لا يدخل في ذلك سواء ، ولكنا نقول مجرد الاسم يثبت بالرضاع كما يثبت بالنسب ولا يتعلق به استحقاق الميراث فعرفنا أنه لا بد من اعتبار معنى القرب والإدلاء ومن يدلي منهن بعصبة ، أو صاحبة فرض يكون سببه أقوى ممن يدلي بمن ليس بعصبة ، ولا صاحبة فرض وبهذا الإدلاء تثبت الفريضة ، وفي حق الأم إنما تثبت العصوبة دون الفريضة وبالإدلاء بالأنثى لا تثبت العصوبة . فأما ابن عباس رضي الله عنه يقول أم الأم تدلي بالأم وترث بمثل سببها وهي الأمومة فتقوم مقامها عند عدمها كالجد أب الأب فإنه يقوم مقام الأب عند عدمه وابن الابن يقوم مقام الابن عند عدمه .

وإذا كانت الأم ترث في بعض الأحوال الثلث ، وفي بعضها السدس فكذلك أم الأم بخلاف الأخ لأم فإنه وإن كان يدلي بالأم فلا يرث بمثل سببها ثم كما لا يزاحم أحد من الجدات الأم فكذلك لا يزاحم أم الأم شيء من الجدات في فريضة الأم يوضحه أن حال المدلي مع المدلى به كحال المدلى به مع الميت والمدلي أم المدلى به وصاحبة فرض كما أن المدلى به أم للميت وصاحبة فرض فكما أن ميراث المدلي من الميت الثلث فكذلك ميراث المدلى به ، ولكنا نستدل بحديث قبيصة بن ذؤيب { أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس } وهكذا روي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس } ، وقد روينا في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن محمد بن مسلمة رضي الله عنه شهد عنده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم الجدة السدس فأعطاها } أبو بكر رضي الله عنه ذلك وروي في بعض الروايات أنها كانت أم الأم ، ثم جاءت أم الأب إلى عمر رضي الله عنه في خلافته وقالت ما لي من ميراث ابن ابنتي فقال عمر رضي الله عنه لا أجد لك في كتاب الله تعالى شيئا ولم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك شيئا وأراك غير الجدة التي أعطاها أبو بكر ولست برائيك في كتاب الله ، ولكني أرى أن ذلك السدس بينكما ، وأنه لمن انفرد منكما فتبين بهذه الآثار أنه لا يزاد في فريضة الجدات على السدس فالجدتان في استحقاق السدس سواء ، وهذا لأن الأدلاء بالأنثى لا يكون سببا لاستحقاق فريضة المدلى به بحال [ ص: 168 ] كبنات الأخوات وبنات البنات إلا أنا تركنا هذا القياس في حق الجدات بالسنة فإنا نعتبر ما ورد به السنة وليس في شيء من الآثار زيادة على السدس لواحدة من الجدات فلهذا كان لهن السدس هذا بيان الفصل الثاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية