صفحة جزء
ولو أدب ولده بالضرب فمات من ذلك فعلى قول أبي حنيفة يضمن ديته ويحرم الميراث ، وعلى قول أبي يوسف ومحمد لا يضمن شيئا ولا يحرم عن الميراث ولو أن المعلم هو الذي ضربه بإذن الأب فمات لم يضمن شيئا بالاتفاق قال رحمه الله ، وهذا عند أبي حنيفة ترك لقوله قبل هذا من دعوى المناقضة على قول أبي حنيفة وقيل بل هو استدلال على رجوعه عن جوابه في الفصل الأول ، وهذا هو الأصح فإن المعلم لو أدبه بغير إذن أبيه فمات كان ضامنا فإذا أدبه بإذنه لم يضمن فلما كان لأمره تأثير في إسقاط الضمان عن المعلم عرفنا أنه لا يجب عليه الضمان إذا ضربه بنفسه ، وهذا لأن التأديب يباح له شرعا كالختان والحجامة ومن حمل المسألة على الاختلاف فوجه قولهما هذا ووجه قول أبي حنيفة ; لأن الأب إنما يؤدب ولده لمنفعة نفسه وما يباح للمرء شرعا لمنفعة نفسه يتقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته والرمي إلى الصيد والمشي في الطريق ، وبيان الوصف أن الأب لا يعزر بسوء أدب ولده ، وإنما يزجره عن ذلك لدفع العار واللوم عن نفسه وبه فارق المعلم فإنه لا يؤدب الصبي لمنفعة نفسه فإذا [ ص: 49 ] صار مباحا له شرعا لم يتقيد عليه بشرط السلامة وبه فارق الختان والحجامة ; لأن ذلك لمنفعة الولد فإن الطهرة به تحصل للولد لا للأب فلهذا لا يتقيد بشرط السلامة بل يجعل فعل الآمر به كفعله بنفسه يوضحه أن الأب يغيظه سوء أدب ولده وربما يحمله الغيظ على المبالغة في تأديبه وترك الاحتياط فلهذا يتقيد بشرط السلامة ، وهذا المعنى لا يوجد في الختان والحجامة ولا في المعلم إذا أدبه بإذن الأب ، ثم دية المقتول تكون ميراثا عنه لجميع ورثته كسائر أمواله عندنا ومن الناس من قال ليس للزوج والزوجة من الدية نصيب ; لأن وجوب الدية بعد الموت والزوجية ترتفع بالموت بخلاف القرابة ولكنا نستدل بحديث الضحاك أن { شيبان الكلابي رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم } ، ولأن الدية مال الميت حتى تقضى بها ديونه وتنفذ منها وصاياه فيرثها عنه من يرث سائر أمواله ، وإنما استحقاق الميراث باعتبار زوجية قائمة إلى وقت الموت منتهية بالموت لا باعتبار زوجية قائمة في الحال ، وفي هذا المعنى الدية بمنزلة سائر الأموال .

التالي السابق


الخدمات العلمية