صفحة جزء
وقال ابن أبي ليلى كفالة العبد المأذون جائزة لأن الكفالة من صنيع التجارة وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار ولأنه التزام بعوض فإن الكفيل يرجع على الأصيل بما يؤدي والعبد المأذون من أهل هذا النوع من الالتزام وقد جعل أبو حنيفة رحمه الله الكفالة من جنس التجارة فقال إذا كفل أحد المتعاوضين بمال يلزم شريكه فلما جعل في حق المتعاوضين هذا [ ص: 148 ] بمنزلة التجارة فكذلك في حق العبد المأذون ولكنا نقول لا تصح كفالة المأذون في حالة رقه لأن الحاجز وهو الرق قائم وإنما أصل الحجر عنه بالإذن فيما هو تجارة أو من توابع التجارة والكفالة ليست بهذه الصفة فإن التجار يتحرزون عن الكفالة غاية التحرز لهذا قيل : الكفالة أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها غرامة ، فبقي محجورا عنه على ما كان قبل الإذن ثم الكفالة بمنزلة الإقراض فإنه تبرع في الالتزام وإن كان عند الأداء يرجع كما أن المقرض تبرع بأداء المال وإن كان له حق الرجوع في المال والعبد المأذون لا يملك الإقراض في حق مولاه فكذلك لا يملك الكفالة وهذا بخلاف المتعاوضين لأن الكفالة في الابتداء تبرع ولكن في الانتهاء معاوضة ولا بد من تصحيحه من المعاوض الذي باشره وإن كان تبرعا فإذا صح منه انقلب معاوضة فيطالب به الشريك أما هنا باعتبار كونه تبرعا لا يصح من العبد المأذون في الابتداء فلا ينقلب معاوضة .

وقال ابن أبي ليلى إذا أفلس المحتال عليه رجع الطالب على المحيل وهو بناء على ما سبق أن عند ابن أبي ليلى التفليس والحجر يتحقق وقوله فيه كقولهما أو أبلغ منه لأن عنده بعد التفليس والحبس لا ينفذ عتق المديون في عبده فيتحقق بالتوى بالتفليس على قوله .

وإذا توى المال على المحتال عليه كان للطالب أن يرجع على المحيل لقوله عليه السلام { لا توى على مال امرئ مسلم } .

فأما على قول أبي حنيفة التوى لا يتحقق لأن التوى أن يهلك عين الشيء أو محله الذي كان قائما به والدين لا يتصور هلاكه حقيقة ومحله قائم بعد الإفلاس ببقاء الذمة محلا صالحا لالتزام الحقوق وإنما يتأخر الاستيفاء بالإفلاس وهذا تأخير يزول ساعة فساعة لأن المال غاد ورائح بخلاف ما إذا مات فإن محل الدين خرج من أن يكون صالحا لالتزام الحقوق وإنما يتأخر الاستيفاء في أحكام الدنيا بخلاف ما لو جحد وحلف لأن الدين هناك صار تاويا حكما حتى انقطع طريق الوصول إليه عن بينة أو إقرار الخصم .

التالي السابق


الخدمات العلمية