صفحة جزء
قال ( وإن بدأ في وضوئه بذراعيه قبل وجهه ، أو رجليه قبل رأسه أجزأه عندنا ) ، ولم يجزه عند الشافعي رضي الله عنه فإن الترتيب في الوضوء عندنا سنة ، وعنده من الأركان ، واستدل بقوله تعالى { فاغسلوا وجوهكم } الآية ، والفاء للوصل ، والترتيب فظاهره يقتضي أنه يلزمه ، وصل غسل الوجه بالقيام إلى الصلاة ، ولا يجوز تقديم غيره عليه ، ثم إن الله تعالى عطف البعض على البعض بحرف الواو ، وذلك موجب للترتيب كما في قوله تعالى { اركعوا ، واسجدوا } ، ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السعي بين الصفا ، والمروة بأيهما نبدأ فقال { ابدءوا بما بدأ الله تعالى به } .

فدل على أن الواو للترتيب ، وقال عليه الصلاة والسلام [ ص: 56 ] { لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل ، وجهه ثم يديه } ، ولا شك أن حرف ثم للترتيب .

( ولنا ) ما ذكره أبو داود رحمه الله تعالى في سننه { أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم فبدأ بذراعيه ، ثم بوجهه } ، والخلاف فيهما واحد ، وروي { أنه صلى الله عليه وسلم نسي مسح رأسه في وضوئه فتذكر بعد فراغه فمسحه ببلل في كفه } ، ولأن الركن تطهير الأعضاء ، وذلك حاصل بدون الترتيب .

( ألا ترى ) أنه لو انغمس في الماء بنية الوضوء أجزأه ، ولم يوجد الترتيب ، ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على الترتيب في الوضوء لا تدل على أنه ركن فقد كان يواظب على السنن كما واظب على المضمضة ، والاستنشاق ، وأهل اللغة اتفقوا على أن الواو للعطف مطلقا من غير أن تقتضي جمعا ، ولا ترتيبا فإن الرجل إذا قال جاءني زيد ، وعمرو كان إخبارا عن مجيئهما من غير ترتيب في المجيء قال الله تعالى { واسجدي واركعي مع الراكعين } فلا يدل ذلك على ترتيب الركوع على السجود ، وكذلك في الآية أمر بغسل الأعضاء لا بالترتيب في الغسل .

( ألا ترى ) أن ثبوت الحدث في الأعضاء لا يكون مرتبا فكذلك زواله ، والحديث محمول على صفة الكمال ، وبه نقول .

التالي السابق


الخدمات العلمية