صفحة جزء
( وإذا صلى ، وفي ثوبه من الروث ، أو السرقين ، أو بول ما لا يؤكل لحمه من الدواب ، أو خرء الدجاجة أكثر من قدر الدرهم لم تجز صلاته ) ، والأصل في هذا أن القليل من النجاسة في الثوب لا يمنع جواز الصلاة فيه عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله إذا كان بحيث يقع بصره عليه يمنع جواز الصلاة قال ; لأن الطهارة عن النجاسة العينية شرط جواز الصلاة كالطهارة عن الحدث الحكمي فكما أن الشرط ينعدم بالقليل من الحدث ، وكثيره فكذلك ينعدم بالقليل من النجاسة ، وكثيرها .

وحجتنا ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن قليل النجاسة في الثوب فقال : إن كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة ، ولأن القليل من النجاسة لا يمكن التحرز عنه ; فإن الذباب يقعن على النجاسات ، ثم يقعن على ثياب المصلي ، ولا بد من أن يكون على أجنحتهن ، وأرجلهن نجاسة فجعل القليل عفوا لهذا بخلاف الحدث فإنه لا بلوى في القليل منه ، والكثير . ثم إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يكتفون بالاستنجاء بالأحجار ، وقلما يتطيبون بالماء ، والاستنجاء بالحجر لا يزيل النجاسة حتى لو جلس بعده في الماء القليل نجسه فاكتفاؤهم به دليل على أن القليل من النجاسة عفو ، ولهذا قدرنا بالدرهم على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث هكذا قال النخعي رحمه الله تعالى ، واستقبحوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم . ، وكان النخعي يقول إذا بلغ مقدار الدرهم منع جواز الصلاة . ، وكان الشعبي يقول لا يمنع حتى يكون أكثر من قدر الدرهم ، وأخذنا بهذا لأنه أوسع ، ولأنه قد كان في الصحابة رضوان الله عليهم من هو مبطون ، ولوث المبطون أكثر ، ومع هذا كانوا يكتفون بالاستنجاء بالأحجار ، والدرهم أكبر ما يكون من النقد المعروف فأما المنقطع من النقود كالسهيلي ، وغيره فقد قيل إنه يعتبر به ، وهو ضعيف ، والتقدير بالدرهم فيما اتفقوا على نجاسته كالخمر ، والبول ، وخرء الدجاج ، وفي الخرء إذا كان أكثر من وزن مثقال ، ولا عرض له يمنع جواز الصلاة أيضا .

فأما الروث ، والسرقين فنقول : روث ما لا يؤكل سواء ، وهو نجس عندنا ، وقال مالك رحمه الله روث ما يؤكل لحمه طاهر لما روي أن الشبان من الصحابة في منازلهم في [ ص: 61 ] السفر كانوا يترامون بالجلة فلو كانت نجسة لم يمسوها ، وقال ; لأنه وقود أهل المدينة يستعملونه استعمال الحطب .

( ولنا ) ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من ابن مسعود أحجارا للاستنجاء ليلة الجن فأتاه بحجرين ، وروثة فأخذ الحجرين ، ورمى بالروثة ، وقال أنها ركس أي نجس } .

وقيل لمحمد رحمه الله لم قلت بطهارة بول ما يؤكل لحمه ، ولم تقل بطهارة روثه قال : لما قلت بطهارته أجزت شربه فلو قلت بطهارة روثه لأجزت أكله ، وأحد لا يقول بهذا ، ثم التقدير فيه عند أبي حنيفة رحمه الله بالدرهم ، وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - بالكثير الفاحش ، وقال زفر في روث ما يؤكل لحمه ما لم يكن كثيرا فاحشا لم يمنع ، وفي روث ما لا يؤكل لحمه الجواب ما قال أبو حنيفة رحمه الله ، واعتبر الروث بالبول فقال في بول ما يؤكل لحمه التقدير بالكثير الفاحش لكونه مختلفا في نجاسته فكذلك في روثه وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا في الأرواث بلوى ، وضرورة خصوصا لسائر الدواب ، وللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة فكان التقدير فيه بالكثير الفاحش وأبو حنيفة رحمه الله يقول : الروث منصوص على نجاسته كما روينا في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فتتغلظ نجاسته ، ولا يعفى عنه أكثر من قدر الدرهم كالخمر ، والبلوى لا تعتبر في موضع النص فإن البلوى للآدمي في بوله أكثر ، وكذا في بول الحمار فإنه يترشش فيصيب الثياب ، ومع ذلك لا يعفى عنه من قدر الدرهم لأنه منصوص على نجاسته ، وروي عن محمد رحمه الله تعالى قال في الروث ، وإن كان فاحشا لا يمنع جواز الصلاة ، وهذا آخر أقاويله حين كان بالري ، وكان الخليفة بها فرأى الطرق ، والخانات مملوءة من الأرواث ، وللناس فيه بلوى عظيمة فاختار هذا القول لهذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية