صفحة جزء
( وإذا نسي المضمضة ، والاستنشاق في الجنابة حتى صلى لم يجزه ) ، وهو عندنا المضمضة ، والاستنشاق فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه سنتان فيهما ، وقال أهل الحديث فرضان فيهما ، ومنهم من أوجب الاستنشاق دون المضمضة ، واستدلوا بمواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها في الوضوء ، ولكنا نقول كان يواظب في العبادات على ما فيه تحصيل الكمال كما يواظب على الأركان .

وفي كتاب الله تعالى أمر بتطهير أعضاء مخصوصة ، والزيادة على النص لا تجوز إلا بما يثبت به النسخ ، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي الوضوء ، ولم يذكرهما فيه . والشافعي رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى { وإن كنتم جنبا فاطهروا } ، والإطهار إمرار الطهور على الظواهر من البدن ، والفم في حكم الباطن بدليل أن الصائم إذا ابتلع بزاقه لم يضره ، وبدليل الوضوء فالفم ، والأنف موضعهما الوجه ، والغسل فرض فيهما .

وبدليل غسل الميت فإنه ليس فيه مضمضة ، ولا استنشاق ، وإمامنا في المسألة ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال : هما فرضان في الجنابة سنتان في الوضوء ، وقال صلى الله عليه وسلم { تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر ، وأنقوا البشرة } ، وفي الفم بشرة .

قال ابن الأعرابي البشرة الجلدة التي تقي اللحم من الأذى ، وقال صلى الله عليه وسلم { من ترك موضع شعرة في الجنابة عذبه الله بالنار } كذا قال علي رضي الله تعالى عنه فمن ثم عاديت شعري ، وفي الأنف شعرات ، والمعنى أن للفم حكمين حكم الظاهر من وجه حتى إذا أخذ الصائم الماء بفيه لم يضره ، وحكم الباطن من وجه كما قال ففيما يعم جميع الظاهر ألحقناه بالظاهر ، وفيما يخص بعضه ألحقناه بالباطن ; لأنه لما جعل بعض ما هو ظاهر من كل وجه عفوا فما هو باطن من وجه أولى ، ولأن الجنابة تحل الفم ، والأنف بدليل أن الجنب ممنوع عن قراءة القرآن .

والحدث لا يحلهما بدليل أن المحدث لا يمنع من قراءة القرآن ، وفي غسل الميت سقوط المضمضة ، والاستنشاق للتعذر ; لأنه لا يمكنه كبه حتى يخرج الماء من فيه ، وبدونه يكون سقيا لا مضمضة .

إذا ثبت هذا فنقول في كل موضع ترك شيئا من الفرائض لم يصح شروعه في الصلاة حتى إذا قهقه لا يلزمه إعادة الوضوء [ ص: 63 ] لأنه لم يصادف حرمة الصلاة في كل موضع ترك شيئا من المسنون صح شروعه في الصلاة فإذا قهقه فعليه إعادة الوضوء ، وإن كان متنقلا فعليه إعادة الصلاة ، وإن مسح رأسه بماء أخذه من لحيته لم يجزه ; لأنه مسح بالماء المستعمل فإن الماء إذا فارق عضوه يصير مستعملا ، وذلك مروي عن علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، والذي روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الماء من لحيته ، واستعمله في لمعة رآها } تأويله في الجنابة ، وجميع البدن في الجنابة كعضو ، واحد ، وإن كان في كفه بلل فمسحه به أجزأه ; لأن الماء الذي بقي في كفه غير مستعمل فهو كالباقي في إنائه ، وقال الحاكم ، وهذا إذا لم يكن استعمله في شيء من أعضائه ، وهو غلط منه فإنه إذا استعمله في شيء من المغسولات لم يضره ; لأن فرض الغسل تأدى بما جرى على عضوه لا بالبلة الباقية في كفه إلا أن يكون استعمله في المسح بالخف ، وحينئذ الأمر على ما قاله الحاكم ; لأن فرض المسح يتأدى بالبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية