صفحة جزء
. ( قال ) فإن صليت الظهر والعصر مع الإمام فحسن ، والحاصل أنه كما زالت الشمس يوم عرفة يصلي الإمام بالناس الظهر ، والعصر بعرفات هكذا روى جابر رضي الله عنه في حديثه قال : { لما زالت الشمس صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 15 ] بالناس الظهر ، والعصر بأذان وإقامتين }

، وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر رضي الله عنه في شيء من أمر المناسك فلما زالت الشمس أتى ابن عمر رضي الله عنه سرادقه فقال أين هذا ؟ فخرج الحجاج فقال إن أردت السنة فالساعة ، فقال : انتظرني حتى أغتسل ، فانتظره فاغتسل وراح إلى المصلى . والاغتسال في هذا الوقت بعرفات سنة فإن اكتفي بالوضوء أجزأه ، وإن اغتسل فهو أفضل كما عند الإحرام ، وكما في العيدين والجمعة ، ثم يخطب قبل الصلاة خطبتين بينهما جلسة كما في الجمعة والعيدين هكذا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لأن المقصود تعليم الناس المناسك ، والجمع بين الصلاتين من المناسك فيقدم الخطبة عليه لتعليم الناس . ولأنهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف ولا يجتمعون لاستماع الخطبة .

وفي ظاهر المذهب إذا صعد الإمام المنبر فجلس أذن المؤذن كما في الجمعة . وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه يؤذن قبل خروج الإمام ; لأن هذا الأذان لأداء الظهر كما في سائر الأيام ، وهذا قوله الأول فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذن ، وصلى الإمام بالناس الظهر ركعتين إذا كان مسافرا ، ثم يقوم المؤذن فيقوم ثانية فيصلي بهم العصر من غير أن يتنفل بين الصلاتين هكذا رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صفة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لأن تقديم العصر على وقته ليتوصل إلى الوقوف المقصود ، ولئلا ينقطع وقوفه فلأن لا يشتغل بالنافلة بين الصلاتين ليحصل هذا المقصود أولى ، وإنما يعيد الإقامة للعصر ; لأنه معجل على وقته المعهود فيعيد الإقامة له إعلاما للناس ، وإن اشتغل بالتطوع بين الصلاتين أعاد الأذان للعصر إلا في رواية ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه قال : مادام في وقت الظهر لا يعيد الأذان للعصر فأما في ظاهر الرواية فاشتغاله بالنفل أو بعمل آخر يقطع فور الأذان الأول فيعيد الأذان للعصر .

( قال ) وإن لم يدرك الجمع مع الإمام ، وأراد أن يصلي وحده صلى كل صلاة لوقتها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وعلى قول أبي يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى يجمع بينهما كما يفعل مع الإمام قال في الكتاب بلغنا ذلك عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما ، وعلل فقال ; لأن العصر إنما قدمت لأجل الوقت .

ومعنى هذا الكلام أن الجمع بين الصلاتين إنما جاز لحاجته إلى امتداد الوقوف فإن الموقف هبوط وصعود لا يمكن تسوية الصفوف فيها فيحتاجون إلى الخروج منها والاجتماع لصلاة العصر فينقطع وقوفهم ، وامتداد الوقوف إلى غروب الشمس واجب [ ص: 16 ] فللحاجة إلى ذلك جوز له الجمع بين الصلاتين ، وفي هذا المنفرد والذي يصلي مع الإمام سواء ، وقاس هذا الجمع بالجمع الثاني بالمزدلفة فإن الإمام فيه ليس بشرط بالاتفاق ، وهذا النسك معتبر بسائر المناسك في أنه لا يشترط فيه الإمام وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي فرضا مؤقتا فالمحافظة على الوقت في الصلاة فرض بيقين فلا يجوز تركه إلا بيقين ، وهو الموضوع الذي ورد النص به ، وإنما ورد النص بجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين ، والخلفاء من بعده فلا يجوز الجمع إلا بتلك الصفة ، وكأن المعنى فيه أن هذا الجمع مختص بمكان وزمان ، ومثله لا يجوز إلا بإمام كإقامة الخطبة مقام ركعتين في الجمعة لما كان مختصا بمكان وزمان كان الإمام شرطا فيه بخلاف الجمع الثاني فإنه أداء المغرب في وقت العشاء ، وذلك غير مختص بمكان وزمان فأما هذا تعجيل العصر على وقته ، وذلك لا يجوز إلا في هذا المكان ، وهذا الزمان ، ثم يسلم أن هذا الجمع لأجل الوقوف ، ولكن الحاجة إلى الجمع للجماعة لا للمنفرد ; لأن المنفرد يمكن أن يصلي العصر في وقته في موضع وقوفه فإن المصلي واقف فلا ينقطع وقوفه بالاشتغال بالصلاة ، وإنما يحتاجون إلى الخروج لتسوية الصفوف إذا أدوها بالجماعة ، ولأنه يشق عليهم الاجتماع فإنهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف فيختار كل واحد منهم موضوعا خاليا يناجي فيه ربه عز وجل ، وهذا المعنى ينعدم في حق المنفرد ; لأنه يمكنه أداء العصر في وقته في موضع خلوته ، وحديث عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهم محمول على الإمام الأجل ، وهو الخليفة ، أنه ليس بشرط ، ثم يعارضه قول ابن مسعود رضي الله عنه يصلي المنفرد كل صلاة لوقتها

التالي السابق


الخدمات العلمية