صفحة جزء
( قال ) : ولا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع من الإبل والبقر دون الغنم . والكلام في فصول : أحدها - أن التقليد في الهدايا سنة ثبتت بقوله تعالى { ولا الهدي ولا القلائد } وصح { أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد هداياه في حجة الوداع } ، وصفة التقليد هو أن يعلق على عنق البدنة نعل أو قطعة أدم أو عروة مزادة ، قيل : والمعنى فيه إعلام الناس أن هذا أعد للتطوع بإراقة دمه فيصير جلده عن قريب مثل هذه القطعة من الجلد ، والمقصود به التشهير ، وقد بينا أن التشهير فيما هو نسك دون ما هو جبر ، ولهذا لا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع ، والمقصود أن لا يمنع من الماء والعلف إذا علم أنه هدي ، وهذا فيما يبعد عن صاحبه في الرعي كالإبل والبقر دون الغنم فإن الغنم يعدم إذا لم يكن صاحبه معه فلهذا يقلد الغنم ، وهذا عندنا ، وعلى قول مالك رحمه الله تعالى يقلد الغنم أيضا ; لأن التقليد سنة في الهدايا ، والغنم من الهدايا ، وقد ورد فيه أثر ، ولكنه شاذ فلم نأخذ به ، وهذا ; لأن تقليد الغنم غير معتاد في الناس ظاهرا بخلاف تقليد الإبل [ ص: 138 ] والبقر .

( قال ) : والتجليل حسن ; لأن هدايا رسول الله كانت مقلدة مجللة حيث { قال لعلي رضي الله عنه : تصدق بجلالها وخطامها } ، وإن ترك التجليل لم يضره والتقليد أحب إلي من التجليل ; لأن للتقليد ذكرا في كتاب الله تعالى دون التجليل . وأما الإشعار فهو مكروه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما هو حسن في البدنة ، وإن ترك لم يضره ، وصفة الإشعار هو أن يضرب بالمبضع في أحد جانبي سنام البدنة حتى يخرج الدم منه ثم يلطخ بذلك الدم سنامه ، سمي ذلك إشعارا بمعنى أنه جعل ذلك علامة له ، والإشعار هو الإعلام ، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول : الإشعار في الجانب الأيسر من السنام ، وقد صح في الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر البدن بيده } وهو مروي عن الصحابة رضي الله عنهم ظاهر حتى قال الطحاوي رحمه الله تعالى : ما كره أبو حنيفة رحمه الله تعالى أصل الإشعار وكيف يكره ذلك مع ما اشتهر فيه من الآثار ، وإنما كره إشعار أهل زمانه ; لأنه رآهم يستقصون ذلك على وجه يخاف منه هلاك البدنة لسرايته خصوصا في حر الحجاز فرأى الصواب في سد هذا الباب على العامة ; لأنهم لا يراعون الحد ، فأما من وقف على ذلك بأن قطع الجلد فقط دون اللحم فلا بأس بذلك ثم حجتهما من حيث المعنى ; لأن المقصود من الإشعار والتقليد إعلام بأنها بدنة حتى إذا ضلت ردت ، وإذا وردت الماء والعلف لم تمنع لكن هذا المقصود بالتقليد لا يتم ; لأن القلادة تحل ويحتمل أن تسقط منه فإنما يتم بالإشعار ; لأنه لا يفارقه فكان الإشعار حسنا لهذا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول معنى الإعلام بالتقليد يحصل وهو لإكرام البدنة ، وليس في الإشعار معنى الإكرام بل ذلك يؤذي البدنة ، ولأن التجليل مندوب إليه ، وإنما كان مندوبا لدفع أذى الذباب عن البدنة ، والإشعار من جوالب الذباب فلهذا كرهه أبو حنيفة رحمه الله تعالى

التالي السابق


الخدمات العلمية