صفحة جزء
قال ( وإذا حت النجاسة عن الثوب لم يجزه إلا في المني اليابس خاصة ) ; لأن الثوب رقيق تتداخل النجاسة في أجزائه فلا يخرجه إلا الماء فأما الحت يزيل ما على ظاهره دون ما يتداخل في أجزائه فأما المني فالكلام فيه في فصلين . أحدهما أنه نجس عندنا ، وقال الشافعي رحمه الله طاهر لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال المني كالمخاط فأمطه عنك ، ولو بإذخرة ، ولأنه أصل لخلقة الآدمي فكان طاهرا كالتراب لاستحالة أن يقال : إن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - خلقوا من شيء نجس ، وهذا ; لأن المستحيل من غذاء الحيوان إنما يكون نجسا إذا كان يستحيل إلى نتن ، وفساد ، والمني غير مستحيل إلى فساد ، ونتن فهو كاللبن ، والبيضة .

( ولنا ) قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر { إنما يغسل الثوب من خمس من البول ، والغائط ، والخمر ، والدم ، والمني } ، ولأنه خارج من البدن يجب الاغتسال بخروجه فكان نجسا كدم الحيض ، وخروجه من مكان النجاسات فلا بد أن يتنجس بالمجاورة ، وإن يكن نجسا في نفسه ، وكونه أصل خلقة الآدمي لا ينفي صفة النجاسة عنه كالعلقة ، والمضغة ، وإن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شبهه بالمخاط في المنظر لا في الحكم ، وأمر بالإماطة ليتمكن من غسله فإن قبل الإماطة تنتشر النجاسة في الثوب إذا أصابه الماء ، والفصل الثاني أنه ما دام رطبا لا يطهر إلا بالغسل فإن جف فحته ، وفرك الثوب القياس أن لا يطهر ; لأنه دم إلا أنه نضيج فهو كسائر أنواع الدم لا يطهر إلا بالغسل . استحسن علماؤنا - رحمهم الله تعالى - فقالوا يطهر بالفرك لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله تعالى عنها في المني إذا رأيته رطبا فاغسليه ، وإذا رأيته يابسا فافركيه } . { ، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي } ، ولأن جرم المني لا يتداخل في أجزاء الثوب بل هو على ظاهره يزول بالفرك فهو نظير سيف المجاهد ، وسكين القصاب إذا مسحه بالتراب يطهر به ، وقد روي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى في المني إذا أصاب البدن لا يطهر به إلا بالغسل ; لأن لين البدن يمنع زوال أثره بالحت ، وروي عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا كان المني غليظا فجف يطهر بالفرك ، وإن كان رقيقا لا يطهر إلا بالغسل ، وقال إذا أصاب المني ثوبا ذا طاقين فالطاق الأعلى يطهر بالفرك ، والأسفل لا يطهر إلا بالغسل ; لأنه إنما يصيبه البلة دون الجرم ، وهذه مسألة مشكلة فإن الفحل لا يمني حتى يمذي ، والمذي لا يطهر بالفرك إلا أنه جعل [ ص: 82 ] المذي في هذه الحالة مغلوبا مستهلكا بالمني فكان الحكم للمني دون المذي .

التالي السابق


الخدمات العلمية