صفحة جزء
( قال : ) ولو تزوج مسلم نصرانية بشهادة نصرانيين جاز النكاح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ، ولم يجز في قول محمد وزفر رحمهما الله تعالى لأن هذا نكاح لا يصح إلا بشهود فلا يصح بشهادة الكافرين كالعقد بين المسلمين بخلاف أنكحة الكفار فإنها تنعقد بغير شهود ، وحقيقة المعنى أن هذا السماع شهادة ، ولا شهادة للكافر على المسلم فلم يصح سماعهما كلام المسلم بطريق الشهادة ، وشرط الانعقاد سماع البينة كلا شطري العقد ، ولم يوجد فكان هذا بمنزلة ما لو سمع الشاهدان كلام المرأة دون كلام الزوج ، ولهما طريقان ( أحدهما ) ما بينا أن الكافر يصلح أن يكون وليا في العقد ويصلح أن يكون قابلا لهذا العقد بنفسه فيصلح أن يكون شاهدا فيه أيضا كالمسلم ، وهذا استدلال بطريق الأولى فإن الإيجاب والقبول ركن العقد والشهادة شرطه فإذا كان يصلح الكافر للقيام بركن هذا العقد بنفسه فلأن يقوم بشرطه كان أولى بخلاف ما يجري بين المسلمين ; ولأن المخاطب بالإشهاد هو الرجل ; لأنه يتملك البضع ، ولا يتملك إلا بشهادة الشهود فأما المرأة تملك المال ، والشهود ليسوا بشرط ; لتملك المال ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { كان [ ص: 34 ] مخصوصا بالنكاح بغير شهود } ثم كانت المرأة لا تحتاج إلى الإشهاد عليه إذا ثبت هذا فنقول : الرجل قد أشهد عليها من يصلح أن يكون شاهدا عليها بخلاف ما إذا كانت مسلمة ، وبخلاف ما إذا سمعوا كلامها ; لأنه مخاطب بالإشهاد عليها بالعقد ، والعقد لا يكون إلا بكلام المتعاقدين ، وسماعهما كلام المسلم صحيح ألا ترى أنه لو تزوجها بشهادة كافرين ومسلمين ثم وقعت الحاجة إلى أداء هذه الشهادة تقبل شهادة الكافرين بالعقد عليها إذا جحدت ، وعلى الزوج لو كانا أسلما بعد ذلك فظهر أن سماعهما كلام المسلم صحيح فيحصل به الإشهاد عليها بالعقد ، وهذا بخلاف ما إذا تزوجها بغير شهود فإنه لا يجوز ذلك ، وإن كان في دينهم حلالا ; لأن صاحب العقد هو الزوج ، وهو مسلم مخاطب بالإشهاد فلا يعتبر اعتقادها في حقه

التالي السابق


الخدمات العلمية