صفحة جزء
( قال : ) وإذا تزوجها على بيت وخادم فلها من ذلك خادم وسط [ ص: 68 ] وبيت وسط ، والكلام هنا في فصول : أحدها : أن تسمية الخادم في النكاح صحيح عندنا ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يصح ، وكذلك لو تزوجها على عبد مطلق أو على أمة فلها عبد وسط أو أمة وسط ، فإن أتاها بالعين أجبرت على القبول ، وإن أتاها بالقيمة أجبرت على القبول ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تصح التسمية ; لأن النكاح عقد معاوضة ، فيكون قياس البيع ، والعبد المطلق لا يستحق بعقد البيع عوضا فكذلك بالنكاح ، وهذا أصل للشافعي رحمه الله تعالى أن كل ما لا يصح مسمى عوضا في البيع لا يستحق في النكاح ; لأن المقصود بالمسمى مهرا المالية ، وبمجرد ذكر الجنس بدون بيان الوصف لا تصير المالية معلومة فلا يصح التزامه بعقد المعاوضة لبقاء الجهالة ، والغرر فيه .

ألا ترى أنه لو سمى ثوبا أو دابة أو دارا لم تصح التسمية فكذلك إذا سمى عبدا ، وحجتنا في ذلك أن المهر إنما يستحق عوضا عما ليس بمال ، والحيوان يثبت دينا في الذمة مطلقا في مبادلة ما ليس بمال ، ألا ترى أن الشرع أوجب في الدية مائة من الإبل ، وأوجب في الجنين غرة عبدا أو أمة فإذا جاز أن يثبت الحيوان مطلقا دينا في الذمة عوضا عما ليس بمال شرعا ، فكذلك يثبت شرطا ; وهذا لأن في معنى المالية هذا مال ملتزم ابتداء ، والجهالة المستدركة في التزام المال ابتداء لا تمنع صحته كما في الإقرار ، فإن من أقر لإنسان بعبد صح إقراره إلا أنه هناك لا ينصرف إلى الوسط عند محمد رحمه الله تعالى ; لأن المقر به عينه ليس بعوض .

وهنا عين المهر عوض ، وإن كان باعتبار صفة المالية هذا التزام مبتدأ ، فلكونه عوضا صرفناه عند إطلاق التسمية إلى الوسط ; ليعتدل النظر من الجانبين كما أوجب الشرع في الزكوات الوسط نظرا إلى الفقراء وأرباب الأموال ، وبكونه مالا يلتزم ابتداء لا تمنع جهالة الصفة صحة الالتزام ، ولهذا لو أتاها بالقيمة أجبرت على القبول ; لأن صحة الالتزام باعتبار صفة المالية ، والقيمة فيه كالعين ، وللاعتبار بما أوجبه الشرع من الدية فإن ذلك يتردد بين الإبل والدراهم ، والدنانير ، ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول : لو لم تصح التسمية احتجنا إلى إيجاب مهر المثل ; لأن بفساد التسمية لا يبطل النكاح كما لا يبطل بترك التسمية ، وكل جهالة في المسمى إذا كانت دون جهالة مهر المثل فذلك لا يمنع صحة التسمية ; لأن بعض الجهالة يرتفع بهذه التسمية ، وكل جهالة هي مثل جهالة مهر المثل أو فوق جهالة مهر المثل تمنع صحة التسمية ; لأنه لا يحصل به شيء من الأعلام فجهالة العبد المسمى جهالة الصفة دون الجنس فأما جهالة مهر المثل جهالة جنس فصححنا فيه التسمية ; ليحصل بها التحرز [ ص: 69 ] عن بعض الجهالة .

فأما جهالة الثوب فوق جهالة مهر المثل ; لأن اسم الثوب يتناول أجناسا مختلفة من القطن ، والكتان والإبريسم ، وغير ذلك ، وكذلك جهالة الدابة ; لأنها تتناول أجناسا مختلفة ، وكذلك جهالة الدار ; لأنها تختلف باختلاف البلدان ، والمحال والضيق ، والسعة وكثرة المرافق وقلتها ، فكانت تلك الجهالة فوق جهالة مهر المثل ، فلهذا لم تصح التسمية ووجب المصير إلى مهر المثل ، وبه فارق البيع فإنا لو لم نصحح التسمية مع جهالة الوصف هناك لا نحتاج إلى إيجاب جهالة أخرى ; لأنه يفسد البيع ، ويعود إليه عوضه ، وهو معلوم .

فأما إذا سمى في المهر بيتا فالمراد منه متاع البيت عادة دون البيت المسمى ، وهذا معروف بالعراق يتزوج على بيت أو بيتين فيريدون متاع البيت مما تجهز به تلك المرأة وينصرف إلى الوسط من ذلك ; لاعتبار معنى المعاوضة على ما قلنا ثم قال أبو حنيفة رضي الله عنه : قيمة البيت أربعون درهما ، وقيمة الخادم أربعون دينارا ، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى : هو على قدر الغلاء والرخص ، وليس هذا باختلاف في الحقيقة ، ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى قصر فتواه على ما شاهده في زمانه ، وهما زادا على ذلك ، وبينا الفتوى في الأوقات ، والأمكنة كلها ، والأمر على ما قالا فإن القيم تختلف باختلاف الغلاء والرخص .

( قال : ) والوسط من الخادم السندي ; وهذا لأن أرفع الخدم الأتراك ، وأدنى الخدم الهنود فالسندي هو الوسط فيما بين ذلك ، ولكنه في بلادنا قلما يوجد السندي فالوسط أدنى الأتراك وأعلى الهنود .

( قال : ) وإن كان تزوجها على وصيف أبيض فلها خمسون دينارا في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وهذا أيضا بناء على ما شاهد في زمانه من التفاوت بين قيمة الوسط والجيد ، وذلك يختلف باختلاف الغلاء والرخص ، ولكن في زمانه كان هذا التفاوت بقدر عشرة دنانير فلهذا قدره به ، وإن أعطاها وصيفا أبيض لا يساوي ذلك فهو جائز ; لأنه وفى لها بما شرط ، واعتبار القيمة عند اختياره أداء القيمة فأما إذا اختار أداء العين فلا معتبر بالقيمة .

( قال : ) وإن كانا من أهل البادية ، وقد تزوجها على بيت فلها بيت من شعر من بيوت أهل البادية ، وإن تزوجها على خادم فلها خادم وسط مما يعرف هناك ; لأن المعتبر في التسمية العرف ، ألا ترى أنه لو اشترى بدراهم مطلقا ينصرف إلى نقد البلد ; للعرف فهنا في كل موضع يعتبر العرف أيضا ، والمتعارف من تسمية البيت مطلقا فيما بين أهل البادية البيت من الشعر ، وفي ما بين أهل الأمصار متاع البيت فصرفنا التسمية إلى ذلك في كل موضع .

( قال : ) وإن تزوجها على شيء بعينه ، ولم تره فليس لها في ذلك خيار الرؤية ; لأن عدم الرؤية [ ص: 70 ] لما لم يمنع ثبوت صفة اللزوم فيما هو المقصود بهذا العقد ، وهي المنكوحة فكذلك في عوضه ، وكان المعنى فيه أن الفائدة في إثبات خيار الرؤية أن يتمكن به من إعادة العوض الذي خرج منه إليه ، وهذا في البيع يحصل ; لأنه ينفسخ بالرد ، وفي النكاح لا يحصل ; لأنه لا ينفسخ برد المسمى بخيار الرؤية ، ولكن تجب القيمة ، والقيمة غير مرئية كالعين ، فعرفنا أنه لا يستدرك بالرد فائدة ، وكذلك لا ترد الصداق بالعيب إلا أن يكون فاحشا عندنا ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى : كل عيب يرد به في البيع يرد به في الصداق .

وهو بناء على أصل بيننا وبينه أن عنده بالرد بالعيب تبطل التسمية فيجب مهر المثل ، وعندنا لا تبطل التسمية ، ولكن تجب قيمة المسمى فإن كان العيب يسيرا لا تستدرك بالرد فائدة إذ لا فرق بين عين الشيء ، وبه عيب يسير ، وبين قيمته ، وإذا كان العيب فاحشا فتستدرك بالرد فائدة ; لأنها ترجع بقيمته صحيحا ، وهذا هو حد الفرق بين اليسير والفاحش ، أن كل عيب ينقص من المالية مقدار ما لا يدخل تحت تقويم المقومين في الأسواق فهو عيب فاحش ، وإذا كان ينقص بقدر ما يدخل بين تقويم المقومين فهو عيب يسير ، وحجته لإثبات أصله أن الصداق مال مملوك بعقد معاوضة ، وهو مما ينفصل عن أصل العقد فتبطل التسمية بالرد كالبيع ، ولكن بطلان التسمية في النكاح لا يبطل النكاح كانعدام التسمية في الابتداء ، ولكنا نقول : السبب الموجب للمسمى هو العقد ، فلا يجوز الحكم ببطلان التسمية مع بقاء السبب الموجب له ، ولكن بالرد بالعيب يتعذر تسليم العين كما التزم ، فتجب قيمته كالمغصوب إذا أبق .

وعلى هذا الأصل إذا هلك الصداق قبل التسليم عندنا لا تبطل التسمية ، ولكن يجب على الزوج مثله إن كان من ذوات الأمثال ، وقيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى تبطل التسمية كما يبطل البيع بهلاك المبيع قبل القبض فيكون لها مهر مثلها ، وبعض أصحابه يقول : لا تبطل التسمية بالهلاك عندنا ، ولكن تجب قيمة المسمى ; لتعذر تسليم العين فأما الرد بالعيب لا يكون إلا لرفع تلك التسمية فتبطل به التسمية ، وعلى هذا لو استحق المسمى بعينه لا تبطل التسمية ; لأن شرط صحة التسمية كون المسمى مالا ، وبالاستحقاق لا تنعدم المالية ، ولكن يتعذر التسليم فيكون بمنزلة الهلاك في أنه يجب قيمته على الزوج .

التالي السابق


الخدمات العلمية