صفحة جزء
( قال : ) رجل تزوج امرأتين على ألف درهم فالألف بينهما على قدر [ ص: 93 ] مهر كل واحدة ; لأن المال الواحد إذا قوبل بشيئين مختلفين بعقد المعاوضة ينقسم على مقدار قيمتهما كما لو اشترى عبدين بألف درهم ، وقيمة البضع مهر المثل فإن طلق إحداهما قبل الدخول كان لها نصف حصتها من الألف فإن طلقها كان لهما نصف الألف بينهما على قدر مهريهما ، فإن كانت إحداهما ممن لا يحل له بأن كانت ذات زوج أو معتدة من زوج أو محرمة عليه برضاع أو صهرية ، فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى الألف كلها مهر التي تحل له ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تقسم الألف على قدر مهريهما ، فمهر التي تحل له حصتها من ذلك ، وحجتهما أن الألف مسمى بمقابلة البضعين ، وإنما التزمها الزوج عند سلامة البضعين له فإذا لم يسلم له إلا أحدهما لا يلزمه إلا حصتها من الألف ، كما لو خاطب امرأتين بالنكاح بألف فأجابت إحداهما دون الأخرى ، وكما لو اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر ، والدليل عليه أن الانقسام جعل معتبرا في حق التي لا تحل له حتى لو دخل بها يلزمه مهر مثلها لا يجاوز به حصتها من الألف عليه نص في الزيادات ، وادعى المناقضة على أبي حنيفة رحمه الله تعالى بهذا ، وكذلك يدخل في العقد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى حتى لا يلزمه الحد بوطئها مع العلم ، ومن ضرورة دخولها في العقد انقسام البدل المسمى ، وعندهما إنما يجب الحد ; لانتفاء شبهة الحل ، فإن العقد لا ينعقد في غير محل الحل ، وسقوط الحد من حكم انعقاد العقد .

فأما الانقسام من حكم التسمية لا من حكم انعقاد العقد كما لو أجابته إحدى المرأتين دون الأخرى ، واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك ، وقال : ضم التي لا تحل له إلى التي تحل له في عقد النكاح لغو ، فهو بمنزلة ضم جدار أو أسطوانة إلى المرأة في النكاح ، وهناك البدل المسمى كله بمقابلتها دون ما ضمه إليها فكذا هنا ، وبيان ذلك : أن النكاح يختص بمحل الحل ; لأن موجبه ملك الحل ، وبين الحل والحرمة في المحل منافاة ، ففي حق المحرمة العقد مضاف إلى غير محله ، وانقسام البدل من حكم المعاوضة ، والمساواة في الدخول في العقد ، فإذا انعدم ذلك لا يثبت الانقسام ، ألا ترى أنه لو طلق امرأته ثلاثا بألف درهم كان بإزاء كل تطليقة ثلث الألف ، ولو كانت عنده بتطليقة واحدة فطلقها ثلاثا بألف درهم كانت الألف كلها بمقابلة الواحدة ، وهذا بخلاف ما إذا خاطبها بالنكاح ; لأنهما استويا في الإيجاب حتى لو أجابتاه صح نكاحهما جميعا فيثبت حكم انقسام البدل بالمساواة في الإيجاب ، وكذلك المدبر مع العبد فإنه مال مملوك فيدخل تحت العقد ثم يستحق نفسه بحق الحرية ، ولهذا لو قضى القاضي بجواز بيعه جاز .

فأما إذا دخل [ ص: 94 ] بالتي لا تحل له ففي هذا الكتاب يقول : لها مهر مثلها مطلقا ، وهو الأصح على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وما ذكر في الزيادات فهو قولهما ، وبعد التسليم يقول : المنع من المجاوزة بمجرد التسمية ، ورضاها بالقدر المسمى ; لانعقاد العقد ، وذلك موجود في حق التي لا تحل له فأما الانقسام للاستحقاق باعتبار الدخول في العقد فالتي تحل له هي المختصة بذلك فكان جميع البدل لها ، وكذلك سقوط الحد على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى من حكم صورة العقد لا من حكم انعقاده ، وقد وجد ذلك في حق التي لا تحل له فأما انقسام البدل من حكم انعقاد العقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية