صفحة جزء
( قال : ) وإذا عتقت الأمة المنكوحة فلها الخيار كما بينا ، فإن اختارت نفسها وقد دخل الزوج بها فالمهر المسمى واجب لسيدها ; لأن الدخول حصل بحكم نكاح صحيح فتقرر به المسمى ، وإن كان لم يدخل بها ، فلا مهر لها ، ولا لسيدها ; لأن اختيارها نفسها فسخ للنكاح من أصله فيسقط به جميع المهر ، كما إذا فرق بينهما لانعدام الكفاءة ، فإن اختارت زوجها فالمهر لسيدها دخل بها أو لم يدخل بها ; لأن المسمى وجب بنفس العقد بمقابلة ما ملكه الزوج ، وإنما ملك ذلك على المولى فكان البدل للمولى ، ولو لم يعتقها كان للسيد أن يستوفي الصداق من زوجها ، وليس للزوج أن يمتنع من ذلك حتى يسلمها إليه ; لأن المولى في استحقاق صداق الأمة كالحرة في استحقاق صداق نفسها ، وهناك لها أن تحبس نفسها لاستيفاء صداقها فهنا أيضا للمولى أن يحبسها إذا كان الصداق حالا ، وإن كان الصداق مؤجلا لم يكن له أن يحبسها ، ولا للحرة أن تحبس نفسها في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - على قياس المبيع لا يحبس بالثمن المؤجل ، وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى الآخر ، وإن كان الصداق مؤجلا فللمرأة أن تحبس نفسها لاستيفائه ، بخلاف البيع ; لأن تسليم النفس عليها في جميع العمر ، والمطالبة بالصداق ثابت لها في العمر ، وفي البيع استحقاق التسليم عقيب العقد ، وليس له حق المطالبة بالثمن في ذلك الوقت إذا كان مؤجلا ، فإن كان [ ص: 115 ] استوفى المولى صداقها أمر المولى أن يدخلها على زوجها ، ولكن لا يلزمه أن يبوئها معه بيتا ; لأن خدمتها حق المولى ، فلا تقع الحيلولة بينه وبين استيفاء حقه ، ولكنها تخدم المولى في بيته كما كانت تفعله من قبل .

ومتى ما وجد الزوج منها خلوة أو فراغا قضى حاجته ، فإن لم يدخل بها حتى قتلها مولاها فعليه رد جميع الصداق على الزوج في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وإن كان لم يقبض الصداق سقط جميع حقه عن الزوج وعندهما لا يسقط شيء منه ، وكذلك لو باعها المولى في مكان لا يقدر الزوج عليها ، وجه قولهما أن القتل موت بأجل فيتقرر به جميع الصداق كما لو قتلها غير المولى ، وهذا لأن بالموت تنتهي مدة النكاح ، فإن النكاح يعقد للعمر فبمضي مدته ينتهي العقد ، وانتهاء العقد موجب تقرير البدل ، والدليل عليه أن كل واحد منهما يرث من صاحبه حتى لو جرحها المولى ثم أعتقها فاكتسبت مالا ثم ماتت من تلك الجراحة ، فإن الزوج يرثها ، ولو مات الزوج قبلها ورثته أيضا ، والتوريث إنما يكون عند انتهاء النكاح بالموت ، وبهذا يتبين أنه لم يفسخ النكاح بينهما ، وسقوط المهر من حكم انفساخ النكاح وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : من له الحق في البدل اكتسب سبب فوات المعقود عليه قبل التسليم فيسقط حقه في المطالبة بالبدل ، كما لو أعتقها فاختارت نفسها قبل الدخول ، وهذا لأن القتل موت كما قال ، ولكن يتضمن فوات المعقود عليه ، فإن كان المولى هو الذي اكتسب سببه يجعل التفويت محالا به إليه .

ألا ترى أن البائع لو أتلف جزءا من المبيع قبل القبض يسقط حقه في حصته من الثمن ، ولو قتل العبد المبيع يسقط جميع الثمن ، وهذا لأن القتل في الحقيقة موت بأجل ، ولكن في حق القاتل جعل في أحكام الدنيا كأنه غير الموت حتى يجب على القاتل القصاص والكفارة والدية إن كان خطأ ، ومن ذبح شاة إنسان بغير أمره يكون ضامنا وباعتبار موته هو محسن إلى صاحب الشاة فيما صنعه غير متلف عليه شيئا ، توضيحه أن المولى لو غيب أمته لم يكن له أن يطالب الزوج بصداقها ، فإذا أتلفها أولى أن لا يكون له أن يطالب بصداقها ، وهذا الكلام يتضح فيما إذا باعها في مكان لا يقدر عليه الزوج ، فإنه لا فرق بين هذا وبينما إذا غيبها من غير بيع ، أما الميراث فنقول هذا في الحقيقة موت ، ولكن جعلناه إتلافا في حق القاتل ، والميراث ليس للقاتل ، بل ذلك شيء بينهما وبين الزوج ، وفيما بينهما هذا موت منه للنكاح

التالي السابق


الخدمات العلمية