صفحة جزء
( قال : ) ولو تزوج العبد بغير إذن مولاه فأجازه جاز ; لأن الإجازة في الانتهاء كإذنه في الابتداء ، فإن طلقها العبد ثلاثا بعد إجازة المولى طلقت ثلاثا ولم يجز للعبد أن يتزوج حتى تنكح زوجا غيره ; لأن النكاح لما صح كان العبد في إيقاع الطلاق عليها كالحر ، ولو طلقها ثلاثا قبل إجازة المولى النكاح لم يقع النكاح ، ولكن يكون هذا متاركة للنكاح ; لأن وقوع الطلاق يختص بنكاح صحيح ، ونكاحه بغير إذن المولى لم يكن صحيحا ، فلا يقع الطلاق ، ولكن إيقاع الطلاق يؤثر في إزالة الحل عن المحل وإيقاع الفرقة إذا كان صحيحا ، فإذا لم يكن النكاح نكاحا صحيحا ، فلا يؤثر في هذين الحكمين ، ولكن يؤثر في رفع الشبهة حتى لو وطئها قبل الطلاق لا يلزمه الحد ، ولو وطئها بعد الطلاق يلزمه الحد ، وإن لم يجز المولى ذلك العقد ، ولكن أذن له أن يتزوجها ابتداء ، فلا بأس بأن يتزوجها ; لأن حرمة المحل بوقوع التطليقات على المحل ولم يقع هنا ، فلا بأس بأن يتزوجها كالصبي والمجنون إذا طلق امرأته ثلاثا لا يثبت به حرمة المحل ، ولأن النكاح لما لم يصح كان [ ص: 126 ] هذا طلاقا قبل النكاح ، وقال عليه الصلاة والسلام : { لا طلاق قبل النكاح } ولو أجاز المولى ذلك النكاح فإجازته باطلة ; لأن الإجازة إنما تعمل في حال توقف العقد وقد ارتفع العقد بما أوقعه العبد ; لأنه يستبد بالطلاق لو أوقعه في نكاح صحيح ارتفع النكاح ، فإذا أوقعه في العقد الموقوف أولى أن يرتفع العقد به ، فإن أذن له أن يتزوجها بعد هذا كرهت له أن يتزوجها .

ولو فعل لم يفرق بينهما في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ، وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يكره ذلك ، وجه قوله ظاهر ، فإن الطلاق غير واقع على المحل ، وحرمة المحل باعتبار وقوع الطلاق ، ولأن إجازة المولى للعقد باطل فوجوده كعدمه ، ولو لم يجز العقد كان له أن يتزوجها بإذنه فكذلك بعد إجازته ، وجه قولهما أن الطلاق تصرف ينبني على النكاح ، وإجازة العقود يتضمن إجازة ما ينبني عليه ، فاعتبار هذا المعنى يوجب نفوذ الطلاق وحرمة المحل فجعلناه معتبرا في الكراهة ، وإن لم يكن معتبرا في حقيقة حرمة المحل ، ولكن هذا على أصل محمد رحمه الله تعالى غير صحيح ، فإن عنده المشترى من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المولى لا ينفذ عتقه ، وعلى أصل أبي حنيفة رحمه الله تعالى إنما يصح هذا أن لو كان الطلاق يتوقف على إجازة المولى ، وقد بينا أن طلاق العبد لا يتوقف على إجازة المولى ، لكن الوجه فيه أن نقول : الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء ، والإذن في الابتداء لو كان موجودا تثبت به حرمة المحل حقيقة فكذلك بوجود صورة الإجازة في الانتهاء تثبت الكراهة ، توضيحه أن العبد أهل للنكاح في حق نفسه ، ولهذا لو أعتق قبل إجازة المولى نفذ نكاحه فاعتبار هذا الجانب يوجب نفوذ طلاقه ، واعتبار جانب حق المولى يمنع نفوذ طلاقه ، فلتعارض الأدلة قلنا لا تثبت الحرمة حقيقة ، ولكن تثبت صفة الكراهة احتياطا ; لأنه إن ترك نكاح امرأة تحل له كان خيرا له من أن يتزوج امرأة لا تحل له .

التالي السابق


الخدمات العلمية