صفحة جزء
( قال : ) ولو تزوج امرأة ثم قال لها بعد [ ص: 145 ] النكاح هي أختي أو ابنتي أو أمي من الرضاعة ثم قال : أخطأت أو أوهمت فالنكاح باق استحسانا ، ولو ثبت على هذا النطق ، وقال هو حق فشهدت عليه الشهود بذلك فرق بينهما ، ولو جحد ذلك لم ينفعه جحوده ; لأن إقراره إنما كان موجبا للفرقة بشرط الثبات عليه ، فإن قال : أوهمت فقد انعدم ما هو شرطه ، فلا يوجب الفرقة ، وإذا ثبت على ذلك وجد ما هو شرط الإقرار فثبت حكمه وهو الفرقة ثم لا ينفعه جحوده بعد ذلك ، وكذلك لو قال : هذه أختي أو هذه ابنتي ، وليس لها نسب معروف ثم قال : أوهمت يصدق في ذلك ، بخلاف ما إذا قال لعبده أو أمته هذا ابني أو هذه ابنتي ثم قال : أوهمت ، فإنه يعتق عليه ، ولا يصدق في ذلك والفرق من وجهين : أحدهما أن إقراره بالنسب في عبده وأمته ملزم بنفسه ; لأن لما أقر به موجبا في ملكه وهو زوال الملك ، فإن من اشترى ابنه يصح الشراء ويعتق عليه ، فإذا كان لما أقر به موجب في ملكه كان هو مقرا به في ملك نفسه ، وإقرار الإنسان في ملك نفسه ملزم فلهذا يتم بنفسه ثبت عليه أو لم يثبت ، فأما إقراره بنسب زوجته لا موجب له في ملكه ; لأن من تزوج ابنته لا يصح النكاح أصلا لا أن يثبت النكاح ثم يزول ، وإنما لا يصح النكاح بحرمة المحل ، فموجب إقراره هنا لا يظهر في ملكه ، وإنما يظهر في المحل ، ولا حق له في المحل ; لأن الحل والحرمة صفة المحل فلم يكن إقراره متناولا لملكه ابتداء ، فلا يكون ملزما إلا إذا ثبت عليه فحينئذ بحكم الثبات عليه يتعدى ضرره إلى ملكه فيلزمه من هذا الوجه . والثاني أن الاشتباه لا يقع بين العبد والابن بل عبده في الغالب مباين لابنه في المطعم والملبس والمجلس ، فإذا كان الاشتباه يندر فيه لا يعتبر ، فأما الاشتباه قد يقع بين زوجته وابنته لتقاربهما في المطعم والملبس والمجلس فلهذا يعذر إذا قال : أوهمت .

( قال : ) ولو قال لامرأته : هذه ابنتي وثبت على ذلك ولها نسب معروف لم يفرق بينهما ، وكذلك لو قال : هي أمي وله أم معروفة ; لأنه مكذب شرعا فيما أقر به وتكذيب الشرع إياه أقوى من تكذيبه نفسه ، ولو كذب نفسه ، وقال : أوهمت لم يفرق بينهما فكذا إذا أكذبه الشارع وبه فارق العبد ; لأن هناك لو أكذب نفسه كان حرا فكذلك إذا أكذبه الشرع بأن كان ثابت النسب من غيره ، والمعنى ما قلنا إن إقراره بنسب العبد مصادف ملكه وهو مصدق فيما يقر به في ملك نفسه فيثبت به العتق ، وإن امتنع بثبوت النسب لكونه معروف النسب من الغير ، فأما إقراره بنسب امرأته لا يصادف ملكه ابتداء ، وإنما يصادف المحل فيثبت به حرمة المحل ثم ينبني عليه انتفاء الملك [ ص: 146 ] وهنا حرمة المحل لم تثبت حين كانت معروفة النسب من الغير فلهذا لا يبطل النكاح ، وإن لم تكن معروفة النسب من الغير ، ومثلها يولد لمثله وثبت على ذلك فرق بينهما ، ولكنه لا يثبت النسب حقيقة إلا بتصديق المرأة إياه بذلك ; لأن المقر يعامل في حقه وكأن ما أقر به حق ، ولكن لا يصدق في حق الغير فيجعل النسب في حقه كالثابت حتى ينتفي ملكه عنها ، ولكنه لا يثبت في حقها إلا بتصديقها ، فلا يلزمها الانتساب إليه إلا أن تصدقه في ذلك ، وإذا كان مثلها لا يولد لمثله لم يثبت النسب ، ولا يفرق بينهما ; لأن تكذيب الحقيقة إياه أقوى من تكذيبه نفسه ، والفرق لأبي حنيفة رحمه الله تعالى بين هذا وبين العتق ما قلنا إن لإقراره بالنسب في ملكه موجبا فيجعل ذلك الإقرار كناية عن موجبه مجازا ، وليس لإقراره بالنسب في ملك النكاح موجب من حيث الإزالة ، فلا يمكن إعماله بطريق المجاز ، وأكثر ما في الباب أن يقال : موجبه نفي أصل النكاح فيجعل كأنه صرح بذلك ، وجحوده لأصل النكاح لا يكون موجبا للفرقة فكذلك إقراره بذلك ، وكذلك لو قال : أرضعتني ومثلها لا يرضع ، ولا لبن لها ، فإنه مكذب في ذلك حقيقة فينزل في ذلك منزلة تكذيبه نفسه ، فلهذا لا يفرق بينهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .

التالي السابق


الخدمات العلمية