صفحة جزء
( قال : ) وإن ادعت أختان أنه تزوجهما جميعا وكل واحدة منهما تقيم البينة أنه تزوجها أولا كان ذلك إلى الزوج فأيهما قال هي الأولى فهي الأولى ، وهي امرأته ; لأن المعارضة بين البينتين قد تحققت والعمل بهما غير ممكن لحرمة الجمع بين الأختين نكاحا ، وقد علمنا أن الثابت أحدهما وهو السابق [ ص: 155 ] منهما ، فإما أن يكون بيان السابق منهما إلى الزوج ; لأنه أعرف الناس بها ولأنه صاحب الملك ، وإما أن يقال تصديقه إحداهما يرجح بينتها ، فإذا ظهر الرجحان في بينة إحداهما قضى بنكاحها واندفعت بينة الأخرى ، ولا مهر لها عليه إن لم يدخل بها ، فإن جحد الزوج ذلك كله ، وقال : لم أتزوج واحدة منهما أو قال : تزوجتهما جميعا ، ولا أدرى أيتهما الأولى فهو سواء ويفرق بينه وبينهما ; لأن العمل بالبينتين غير ممكن ، فلا ترجيح لإحداهما فتعين التفريق بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما إن كان لم يدخل بهما من قبل أنه كان يقدر على أن يبين ، فإذا تجاهل في ذلك لم يبرأ من المهر ، ومعنى هذا الكلام أن نكاح إحداهما صحيح بدليل أنه لو بين الزوج أن هذه هي الأولى حكمنا بصحة نكاحها ، فإذا أبى أن يبين كان ذلك منه بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بينه وبين التي صح نكاحها قبل الدخول فيلزمه نصف المهر ، وليست إحداهما بأولى من الأخرى ، فلهذا كان نصف المهر بينهما ، ومن أصحابنا - رحمهم الله تعالى - من قال : جمع في السؤال بين فصلين وأجاب عن أحدهما ، فإن هذا الجواب عما إذا قال : تزوجتهما جميعا ، ولا أدري أيتهما الأولى ، أما إذا قال : لم أتزوج واحدة منهما ينبغي أن لا يجب عليه شيء من المهر ; لأن العمل بالبينتين تعذر للتعارض وهو منكر ، ولا يجب المهر إلا بحجة ، والأصح أن هذا جواب الفصلين ; لأن المعارضة بين البينتين في حكم الحل دون المهر ، ألا ترى أن البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث ، فإذا لم يكن تعذر العمل والمعارضة في حكم المهر وجب نصف المهر في حق الزوج وليست إحداهما بأولى من الأخرى فكان بينهما ، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في الأمالي لا شيء عليه ; لأن المقضي له بالمهر منهما مجهول ، وجهالة المقضي له تمنع صحة القضاء ، وعند محمد رحمه الله تعالى أنه قال : يقضى بجميع المهر ; لأن النكاح لم يرتفع بجحوده فيقضى بمهر كامل للتي صح نكاحها .

( قال : ) وإن كان دخل بإحداهما كان لها المهر وهي امرأته لترجح جانبها بالدخول ، فإن البينتين إذا تعارضتا على العقد تترجح إحداهما بالقبض كما لو ادعى رجلان تلقي الملك في عين من ثالث بالشراء وأحدهما قابض وأقاما البينة كانت بينة صاحب اليد أولى ، ولأن فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن ، والإمكان ثابت هنا بأن يجعل نكاح التي دخل بها سابقا ، فإن قال الزوج : هي الأخيرة وتلك الأولى فرق بينه وبينها لإقراره بحرمتها عليه ، وكان ذلك بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بعد الدخول [ ص: 156 ] بالنكاح الصحيح ، حتى يلزمه المهر المسمى لها ، ولا يصدق على أن ينقصها عن ذلك وكانت الأخرى امرأته أيضا لتصادقهما على النكاح بإقرار الزوج أنها هي الأولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية