صفحة جزء
( قال : ) وإذا تزوج امرأة في عقدة وامرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة ، ولا يعلم أيتهن الأولى ، فأما الواحدة فنكاحها صحيح بيقين ; لأن الصحيح من العقدين الأخيرين أحدهما ونكاح الواحدة صحيح تقدم أو تأخر ، والقول قول الزوج في الثلاث والثنتين أيتهن قال هي الأولى ; لأن نكاح أحد الفريقين صحيح وهو السابق والزوج هو الذي يعرف ذلك لأنه باشر العقود فيعرف السابق من المتأخر ولأنه صاحب ملك فإليه بيان محل ملكه ، ولأن حقوق النكاح تجب عليه فإليه بيان من يستوجب الحق عليه ، وأي الفريقين مات والزوج حي فقال هي الأولى ورثهن وأعطى مهورهن وفرق بينه وبين الأواخر ; لأن حق البيان الثابت له لا يبطل بموتهن [ ص: 163 ] فإن الموت منه للنكاح مقرر لإحكامه ، وإن كان دخل بهن كلهن ثم قال في صحته أو عند موته لأحد الفريقين هؤلاء الأول فهو الأول ويفرق بينه وبين الأواخر ولكل واحدة الأقل من مهر مثلها ، ومما سمى لها لدخوله بها بحكم نكاح فاسد ، ومراده بهذا الفصل أن دخوله بهن لا يؤثر في البيان إذا لم يعلم من دخل بها أولا ; لأن حال الفريقين في ذلك سواء ، وإن قال الزوج : لا أدري أيتهن الأولى حجب عنهن إلا عن الواحدة لأنه إنما يخلى بينه وبين من صح نكاحها منهن ، ونكاح الواحدة صحيح فيخلى بينه وبينها ، ولم يتيقن من صح نكاحه من الفريقين الآخرين فيكون محجوبا عنهن مخيرا على أن يبين الأول من الآخر ، فإن مات قبل أن يبين ففي المسألة بيان حكم الميراث والمهر والعدة .

أما بيان حكم المهر إن للواحدة ما سمى لها من المهر بكماله ; لأن نكاحها صحيح بيقين وللثلاث مهر ونصف بينهن وللثنتين مهر واحد بينهما على اختلاف الأصلين ، فإن أصل أبي يوسف رحمه الله تعالى في جنس هذه المسائل اعتبار الجملة والتخريج على ذلك فنقول : أكثر مالهن ثلاثة مهور بأن يكون السابق نكاح الثلاث ، وأقل مالهن مهران بأن يكون السابق نكاح المثنى ، فالتردد في مهر واحد يثبت في حال دون حال فيتنصف ، فكان لهن مهران ونصف ، ثم لا خصومة للثنتين في الزيادة على مهرين فيسلم ذلك للثلاث وهو نصف مهر يبقى مهران استوت فيه منازعة الفريقين فكان بينهما نصفين فيحصل للثلاث مهر ونصف وللثنتين مهر واحد ، وأصل محمد رحمه الله تعالى في ذلك اعتبار الأحوال في حق كل فريق على حدة فيقول : أما الثلاث فإن صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور ، وإن لم يصح فلا شيء لهن ، فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف ، وأما المثنى فإن صح نكاحهما فلهما مهران ، وإن لم يصح فلا شيء لهما ، فلهما نصف ذلك ونكاحهما يصح في حال دون حال فلهما مهر واحد ، وأما حكم الميراث فنقول : للواحدة سبعة أسهم من أربعة وعشرين من ميراث النساء ربعا كان أو ثمنا ; لأن نكاحها صحيح على كل حال ، فإن صح نكاحها مع الثلاث فلها ربع ميراث النساء ، وإن صح مع الثنتين فلها ثلث ، والربع بيقين وما زاد عليه إلى تمام الثلث يثبت في حال دون حال فيتنصف ، فنحتاج إلى حساب له ثلث وربع ، وذلك اثنا عشر ثم يتنصف السهم الزائد على الربع إلى تمام الثلث فيتكسر بالأنصاف فيضعف الحساب فيكون أربعة وعشرين .

فإن صح نكاحها مع الثلاث فلها ستة من أربعة وعشرين ، وإن صح نكاحها مع المثنى فلها ثمانية فالتردد في سهمين فيثبت أحدهما ويسقط الآخر فكان لها سبعة من أربعة [ ص: 164 ] وعشرين وما بقي وهو سبعة عشر سهما بين الفريقين الآخرين نصفين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - للمثنى من ذلك ثمانية أسهم وللثلاث تسعة أسهم ، وجه قولهما أن السهم الزائد على ستة عشر لا منازعة فيه للمثنى ; لأنه إن صح نكاحهما فلهما ثلثا الميراث ستة عشر من أربعة وعشرين فيسلم ذلك السهم للثلاث ، وقد استوت منازعة الفريقين في ستة عشر فكان بينهما نصفين أو يعتبر حال كل فريق فنقول : إن صح نكاح الثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر ، وإن لم يصح فلا شيء لهن فلهن نصف ذلك وهو تسعة ، وإن صح نكاح المثنى فلهما ثلثا الميراث ستة عشر ، وإن لم يصح فلا شيء لهما فلهما نصف ذلك ثمانية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : ما بقي من ميراث النساء بعد ما أخذت الواحدة نصيبها بمنزلة جميع ميراث النساء إن لو لم تكن الواحدة أصلا ، ولو لم تكن الواحدة أصلا كان جميع ميراث النساء بين الفريقين نصفين ، فكذلك ما بقي ، وهذا لأن علة الاستحقاق في حق الفريقين سواء ، فإن كل واحد منهما مستحق إذا كان سابقا ، محروم إذا كان مسبوقا ، وقولهما إن المثنى لا يدعيان السهم الواحد ، فإنما لا يدعيان ذلك باعتبار استحقاق الواحدة لذلك السهم ، فأما بدون استحقاقهما فهما يدعيان جميع الميراث وقد خرج ذلك السهم من أن يكون مستحقا للواحدة فكان دعواهما دعوى الثلاث في استحقاق ما فرغ من استحقاق الواحدة سواء ، فلهذا قسم بين الفريقين نصفين .

( قال : ) وعليهن عدة المتوفى عنهن أزواجهن احتياطا لما قلنا ، وإن كان قد دخل بهن كلهن ، ولا يعرف الأول والآخر فعلى الثلاث والثنتين عدة الوفاة والحيض جميعا على معنى أن كل واحدة تعتد أربعة أشهر وعشرا تستكمل في ذلك ثلاث حيض ; لأنه من وجه عليهن عدة الوفاة ، وهو ما إذا صح نكاحهن ، ومن وجه الحيض وهو ما إذا فسد نكاحهن فتجب العدة بالحيض لأجل الدخول فيجمع بينهما احتياطا ، فأما على الواحدة عدة المتوفى عنها زوجها لا حيض في ذلك ; لأن نكاحها صحيح بيقين ثم إن كان مهر مثل كل واحدة من الثلاث والثنتين أقل من المسمى فلها مهر مثلها ، ونصف الفضل إلى تمام المسمى ; لأن في وجوب الأقل وهو مهر المثل إما بالعقد أو بالدخول يقينا ما زاد عليه إلى تمام المسمى تستحقه كل واحدة إن صح نكاحها ، ونكاحها يصح في حال دون حال ، فلهذا كان لكل واحدة نصف ذلك ، فإن كان الزوج حيا فجامع امرأة منهن أو طلقها أو ظاهر منها كان هذا إقرارا منه بأنها ، ومن معها الأولى ; لأن البيان تارة يحصل [ ص: 165 ] بالتصريح وتارة بالدليل فإقدامه على الظهار والطلاق في إحداهن بيان منه أن نكاحها صحيح ; لأن ما باشره من التصرف مختص بالنكاح الصحيح ، وكذلك إن جامع ; لأن فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن ، وإنما يكون وطؤه إياها حلالا إذا كان صح نكاحها ، فلهذا كان هذا بمنزلة البيان منه أن السابق عقدها .

( قال : ) وإن كانت إحدى الثلاث أم إحدى الثنتين ولم يدخل بشيء منهن فالجواب على ما تقدم أيضا ; لأن الصحيح نكاح أحد الفريقين وهو السابق منهما ، وفي هذا لا يفترق الحال بين أن يكون بينهما محرمية أو لم يكن .

( قال : ) ولو كان مع الثلاث أمة كان نكاح الأمة فاسدا على كل حال ; لأنه إن تقدم هذا العقد فنكاح الحرائر بهذا العقد صحيح ، ومتى صح نكاح الحرائر بطل نكاح الأمة المضمومة إليهن ، وإن تأخر نكاحهن فهو فاسد ، ولهذا كان نكاح الأمة فاسدا على كل حال .

( قال : ) وكذلك لو كانت إحدى الثنتين أمة فنكاحها فاسد بيقين لما قلنا ، فإن مات الزوج قبل أن يدخل بهن وقبل أن يبين الأولى منهن وإحدى الثلاث أمة وإحدى الثنتين أمة فنكاح الأمتين فاسد ونكاح الحرائر كلهن جائز ، أما فساد نكاح الأمتين لما قلنا ، وعند فساد نكاحهما الحرائر أربع فيجوز نكاحهن ، المتقدم والمتأخر في ذلك سواء ، وإن كانت إحدى الثلاث أمة والثنتان حرتان وقد تزوج الواحدة الحرة قبلهن يعلم ذلك فنكاح الأمة فاسد لعلمنا أنه تزوجها على حرة ، ونكاح الأمة على الحرة فاسد ، وللحرة المنفردة المهر وثلث ميراث النساء ; لأن نكاحها صحيح بيقين ، وإنما يزاحمها في الميراث امرأتان ، أما المنفردتان أو اللتان كانتا مع الأمة فلها ثلث ميراث النساء ، ولكل حرتين نصف ما بقي من الميراث لاستواء حال الفريقين في ذلك ، فإن كل فريق إن تقدم نكاحها استحق ذلك ، وإن تأخر لا ، ويكون للفريقين مهران بينهما سواء لاستواء حال الفريقين في استحقاق المهرين على ما قلنا .

( قال : ) وإن كانت إحدى الثنتين أمة والثلاث حرائر ، ولا يعلم أي النساء تزوج أولا فنكاح الأمة فاسد للتيقن بضمها إلى الحرة ، والميراث بين الحرائر الخمس على أربعة أسهم للثلاث من ذلك سهم ونصف وللمنفردتين ن سهمان ونصف ، وهذا في الحكم كرجل تزوج ثلاثا في عقدة ، وواحدة في عقدة ، وواحدة في عقدة ، ولا يدري أيتهن أول ، بل هي تلك المسألة بعينها ، ووجه التخريج أن الثلاث إن صح نكاحهن بأن تقدم أو كان بعد الواحدة من المنفردتين فلهن ثلاثة أرباع ميراث النساء ; لأن الصحيح معهن نكاح الواحدة من المنفردتين سابقا أو متأخرا [ ص: 166 ] وإن لم يصح فلا شيء لهن بأن كان نكاحهن بعد نكاح المنفردتين فلهن نصف ثلاثة أرباع الميراث ، وذلك سهم ونصف من أربعة وما بقي بين المنفردتين لاستواء حالهما ، ولأنهما يستحقان جميع الميراث في حال وهو أن يكون نكاحهما سابقا والربع في حال ، وهو أن يكون نكاح الثلاث سابقا فالربع لهما بيقين وهو سهم من أربعة ، وثلاثة تثبت في حال دون حال فيتنصف ، فلهذا كان لهما سهمان ونصف من أربعة ، وحالهما في استحقاق ذلك سواء فيكون بينهما نصفين وللثلاث مهر ونصف ; لأنه إن صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور ، وإن لم يصح فلا شيء لهن ، فلهن نصف نصف ذلك وهو مهر ونصف وللمنفردتي ن مهر ونصف ; لأن نكاح إحداهما صحيح بيقين تقدم أو تأخر ، فيتيقن لها بمهر ، والأخرى إن صح نكاحها فلها مهر ، وإن لم يصح فلا شيء لها فيتنصف مهرها ، وليست إحداهما بأولى من الأخرى بشيء ، فما اجتمع لهما وهو مهر ونصف بينهما نصفان .

التالي السابق


الخدمات العلمية