صفحة جزء
ولا يبيع القاضي عروضه في النفقة والدين في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يبيع ذلك كله ، وهو بناء على مسألة الحجر ، فإن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى القاضي لا يحجر على المديون بسبب الدين . وبيع المال عليه نوع حجر فلا يفعله القاضي . وعندهما القاضي يحجر عليه بسبب الدين فيبيع عليه ماله واستدلا في ذلك بما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ رضي الله عنه وباع عليه ماله وقسم ثمنه على غرمائه بالحصص . } وقال عمر رضي الله عنه في خطبته : أيها الناس إياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب ، وإن أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته أن يقال له : سبق الحاج ، فادان معرضا فأصبح وقد رين به ألا إني بائع عليه ماله ، وقاسم ثمنه بين غرمائه بالحصص ، فمن كان له عليه دين فليعد . والمعنى فيه أن قضاء الدين مستحق عليه بدليل أنه يحبس لأجله فإذا امتنع من ذلك وهو مما تجرى النيابة فيه ناب القاضي منابه كالتفريق بين العنين وامرأته . وبالاتفاق يبادل أحد النقدين بالآخر بهذا الطريق ، فكذلك يبيع العروض ولأبي حنيفة ما روي { أن رجلا من جهينة أعتق شقصا من عبد بينه وبين آخر فحبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى باع غنيمة له وأدى ضمان نصيب شريكه . } ومعلوم أن النبي كان علم بيساره حين ألزمه ضمان العتق ، ثم اشتغل بحبسه ولم يبع عليه ماله فلو كان ذلك جائزا لاشتغل به ; لأن فيه نظرا من الجانبين والمعنى فيه أن المستحق عليه قضاء الدين ولقضاء الدين طرق سوى بيع المال فليس للقاضي عليه ولاية تعيين هذا الطريق لقضاء الدين .

ألا ترى أنه لا تزوج المديونة لتقضي الدين من صداقها ولا يؤاجر المديون ليقضي الدين من أجرته ; لأنه تعين قضاء الدين عليه ، فكذلك لا يبيع ماله ; لأنه تعين طريق قضاء الدين عليه . ومبادلة أحد النقدين بالآخر لا يفعله في القياس أيضا ولكن في الاستحسان الدراهم والدنانير جعلا كجنس واحد ، فإن المقصود منهما واحد فكان ذلك بمنزلة قضاء الدين من جنس الحق وذلك متعين عليه لصاحب الحق ; لأن له أن يأخذ جنس حقه فكذلك للقاضي أن يعينه عليه وأما { حديث معاذ رضي الله تعالى عنه فإنما باع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله برضاه وسؤاله ; لأنه لم يكن في ماله وفاء بديونه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشر بيع ماله لينال بركة رسول الله [ ص: 190 ] صلى الله عليه وسلم ماله فيصير فيه وفاء بدينه } والمشهور من حديث عمر رضي الله تعالى عنه إني قاسم ماله بين غرمائه ، فإنما يحمل ذلك على أن ماله كان من النقود ، والدليل عليه أن عندهما ليس للقاضي أن يبيع المال إلا بطلب من الخصم ، ولم يكن منهم طلب فعرفنا أنه كان ذلك من جنس الحق ، أو كان فيه نوع مصلحة رآها لأسيفع جهينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية