صفحة جزء
( قال ) : وإذا قال لها : إذا وضعت ما في بطنك فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بآخرهما ، وعليها العدة ; لأن حرف " ما " يوجب التعميم ، فشرط وقوع الطلاق أن تضع جميع ما في بطنها ، وذلك لا يحصل إلا بالولد الثاني ، وعلى هذا لو قال : إن كان حملك هذا جارية فأنت طالق واحدة ، وإن كان غلاما فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما وجارية لم يقع عليها شيء ; لأن الحمل اسم لجميع ما في بطنها قال الله تعالى : { أجلهن أن يضعن حملهن } ، ولا تنقضي عدتها إلا بوضع جميع ما في بطنها .

فالشرط أن يكون جميع حملها غلاما أو جارية ، ولم يوجد ذلك حين ولدت غلاما وجارية في بطن واحد ألا ترى أنه لو كان قال : إن كان ما في هذا الجوالق حنطة فامرأته طالق ، وإن كان ما فيه شعيرا فعبده حر ، فإذا فيه شعير وحنطة لم يلزمه طلاق ولا عتق .

ونظير هذه المسألة امتحن أبو حنيفة رحمه الله تعالى فطنة الحسن بن زياد رضي الله عنه قال : ما تقول في عنز ولدت ولدين لا ذكرين ولا أنثيين ، ولا أسودين ولا أبيضين ؟ كيف يكون هذا ؟ فتأمل ساعة ثم قال : أحدهما ذكر [ ص: 110 ] والآخر أنثى ، وأحدهما أسود ، والآخر أبيض فتعجب من فطنته .

وإن قال لها : كلما حبلت فأنت طالق فولدت بعد هذا القول من حبل حادث فقد وقعت عليها تطليقة كما حبلت لوجود الشرط ، وانقضت عدتها بالولادة ، ولو كان جامعها بعد الحبل قبل أن تلد منه كان ذلك منه رجعة ; لأن الواقع بهذا اللفظ كان رجعيا ، والوطء في العدة من طلاق رجعي يكون رجعة ، فإن حبلت مرة أخرى ، طلقت ; لأنه عقد يمينه بكلمة كلما ، وكذلك في الحكم الثالث ، وإن قال : أنت طالق ما لم تلدي فهي طالق حين سكت ; لأنه جعلها طالقا في وقت لا تلد فيه بعد اليمين ، وكما سكت فقد وجد ذلك في قوله ما لم تحبلي ، وفي قوله ما لم تحيضي إلا أن يكون ذلك منها مع سكوته فحينئذ لا يقع ، وهذا ; لأن وقوع الطلاق بحيض بزمان ، وهو ما بعد كلامه وقد جعلها طالقا إلى غاية وهو أن تحيض أو تحبل أو تلد .

فإذا وجدت الغاية متصلا بسكوته فقد انعدم الزمان الذي أوقع فيه الطلاق ; لأن الشيء لا يكون غاية لنفسه فلا تطلق ، فإذا لم يوجد ذلك مع سكوته فقد وجد الزمان الذي أوقع فيه الطلاق فتطلق .

ولو قال : أنت طالق ما لم تحبلي ، أو ما لم تحيضي وهي حائض فهي طالق كما سكت ; لأن صيغة كلامه لحبل وحيض حادث ، يقال حبلت المرأة وحاضت عند ابتداء ذلك ولم يوجد ذلك متصلا بسكوته فلهذا تطلق ، فإن كان يعني ما فيه من الحبل والحيض دين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأن استدامة الحيض بخروج الدم منها ساعة فساعة وما يبرز منها حادث من وجه فيجوز أن يطلق عليه اسم ابتداء الحيض مجازا ، ولكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى .

وأما في الحبل فلا يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه لا يتجدد الحبل في مدته ساعة فساعة فلا يكون لاستدامته اسم الابتداء لا حقيقة ولا مجازا ألا ترى أنه يقال : حاضت عشرة أيام ، ولا يقال : حبلت تسعة أشهر إنما يقال حبلت ووضعت لتسعة أشهر .

وإن قال لامرأته : قد طلقتك قبل أن أتزوجك ، فهذا باطل ; لأن ما ثبت بإقراره كالثابت بالمعاينة ; ولأنه أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للإيقاع عليها في ذلك الوقت فكان نافيا للوقوع عليها لا مثبتا ; كما لو قال : أنت طالق قبل أن تولدي ، أو تخلقي ، أو قبل أن أولد أو أن أخلق .

وكذلك لو قال : قد طلقتك أمس ، وإنما تزوجها اليوم لأنه أضاف الطلاق إلى وقت لم يكن مالكا للإيقاع في ذلك الوقت وإن كان تزوجها قبل أمس طلقت للحال ; لأنه أضاف إلى وقت كان مالكا للإيقاع في ذلك الوقت فكان كلامه معتبرا [ ص: 111 ] في الإيقاع ثم إنه وصفها بالطلاق في الحال مستندا إلى أمس ، وهو يملك الإيقاع عليها في الحال ، ولكن لا يملك الإسناد فلهذا تطلق في الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية