صفحة جزء
( قال ) : وإن كان له ثلاث نسوة ، فقال : فلانة طالق ثلاثا ، وفلانة ، أو فلانة فالأولى طالق ، والخيار إليه في الأخريين يوقع على أيتهما شاء ; لأن حرف التخيير إنما ذكر بين الأخريين فكان كلامه عزيمة في الأولى فيقع الطلاق عليها ويخير في الأخريين بمنزلة قوله : هذه طالق ، وإحدى هاتين ، وكذلك الجواب في العتق ، وقد بينا الفرق بين هذين الفصلين وبين قوله : والله لا أكلم فلانا وفلانا أو فلانا فيما أمليناه من شرح الجامع ، واستوضح في الكتاب هذه المسألة بما إذا قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا ، وقد استقرضت ألف درهم من فلان أو فلان كان الطلاق واقعا عليها ، وهو مخير في الألف يقر بها . [ ص: 138 ] لأحدهما ، ويحلف للآخر ما استقرض منه شيئا ، وهذا غير مشكل ; لأن حرف التخيير إنما ذكر في الإقرار لا في الإيقاع فيبقى موقعا للطلاق على امرأته عزما .

ولو قال : فلانة طالق ثلاثا أو فلانة وفلانة طلقت الثالثة ، والخيار إليه في الأوليين ; لأنه إنما أدخل حرف التخيير بين الأوليين ، وابن سماعة رحمه الله تعالى يروي عن محمد رحمه الله تعالى أنه يخير بين الإيقاع على الأولى ، والأخريين بمنزلة قوله : هذا طالق أو هاتان وجعل على تلك الرواية هذه المسألة كمسألة اليمين ، والفرق بينهما على ظاهر الرواية قد استقصينا شرحه في الجامع .

وإن قال : فلانة طالق ثلاثا وفلانة معها يقع على كل واحدة منهما ثلاث تطليقات ; لأنه عطف الثانية على الأولى ، ولم يذكر لها خبرا فيكون الخبر الأول خبرا للثاني ; كما هو موجب العطف ; ولأنه ضم الثانية إلى الأولى بقوله : معها ، وإنما يتحقق هذا الضم إذا وقع عليها مثل ما وقع على الأولى ، فإن قال : عنيت أن فلانة معها شاهدة لم يصدق في القضاء ، وهو مصدق فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه أضمر للثانية خبرا آخر ، وهو محتمل ، ولكنه خلاف الظاهر فيدين فيما بينه وبين الله تعالى ، ولا يدين في القضاء ، وإن قال : فلانة طالق ثلاثا ، ثم قال : أشركت فلانة معها في الطلاق وقع على الأخرى ثلاث ; لأن لفظ الاشتراك يقتضي التسوية قال الله تعالى في ميراث أولاد الأم : { فهم شركاء في الثلث } فيستوي فيه الذكور ، والإناث ; ولأنه قد أشركها في كل واحدة مما وقعت على الأولى وهذا بخلاف ما لو قال لامرأتين له : بينكما ثلاث تطليقات حيث تطلق كل واحدة اثنتين ; لأن هناك لم يسبق وقوع شيء على واحدة منهما فتنقسم الثلاث بينهما نصفين قسمة واحدة ، وهنا قد وقع الثلاث على الأولى فلا يمكنه أن يرفع شيئا مما أوقع عليها بإشراك الثانية ، وإنما يمكنه أن يسوي الثانية بها بإيقاع الثلاث عليها حتى لو قال لامرأتين : أشركتكما في ثلاث تطليقات لم يقع على كل واحدة إلا اثنتان ; ولأنه لما أوقع الثلاث على الأولى فكلامه في حق الثانية إشراك في حق كل واحدة من الثلاث فكأنه قال : بينكما ثلاث تطليقات ، وهو ينوي أن كل تطليقة بينهما فلهذا تطلق كل واحدة منهما ثلاثا .

وإن قال لامرأتين له : أنتما طالقان ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهما فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لكون المنوي من محتملات لفظه ، ولكنه خلاف الظاهر فلا يدين في القضاء ، وتطلق كل واحدة ثلاثا ، وكذلك لو قال لأربع نسوة له : أنتن طوالق ثلاثا ينوي أن الثلاث بينهن كان مدينا فيما بينه وبين الله تعالى فتطلق كل واحدة واحدة .

[ ص: 139 ] ألا ترى أنه قد يقال : أكلن أربعة أرغفة على معنى أن كل واحدة أكلت رغيفا ولكنه خلاف الظاهر في الوصف فلا يدين في القضاء وتطلق كل واحدة منهن ثلاثا ، وإن قال لامرأته : أنت طالق نصف تطليقة فهي تطليقة كاملة عندنا ، وعند نفاة القياس لا يقع عليها شيء ; لأن نصف التطليقة غير مشروع ، وإيقاع ما ليس بمشروع من الزوج باطل ، ولكنا نقول : ما لا يحتمل الوصف بالتجزي فذكر بعضه كذكر كله ، فكان هو موقعا تطليقة كاملة بهذا اللفظ ، وإيقاع التطليقة مشروع ، وكذلك كل جزء سماه من نصف ، أو ثلث ، أو ربع فهو كذلك ، وإن قال : أنت طالق نصفي تطليقة فهي طالق واحدة ; لأنه إنما أوقع أجزاء تطليقة واحدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية