صفحة جزء
( قال ) : ولو كانت قالت له : طلقني ثلاثا على ألف درهم ، أو على أن لك علي ألف درهم فطلقها واحدة قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى تقع تطليقة رجعية ، وليس عليها شيء من الألف ، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى : يقع عليها تطليقة بائنة بثلث الألف وحجتهما في ذلك أن الخلع من عقود المعاوضات ، وحرف " على " في المعاوضات كحرف الباء .

ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول : بعت منك هذا المتاع بدرهم ، أو على درهم ، وكذلك لا فرق بين أن يقول : احمل هذا المتاع إلى موضع كذا بدرهم ، أو على درهم ، فإذا كان عند حرف الباء تتوزع الألف على التطليقات الثلاث ، فكذلك عند ذكر حرف " على " يدل عليه أنها لو قالت : طلقني وفلانة على ألف درهم فطلقها وحدها كان عليها حصتها من المال بمنزلة ما لو التمست بحرف الباء ، فكذلك هنا ، وهذا بخلاف ما قال في السير الكبير : إذا صالح الإمام أهل حصن على أن يؤمنهم ثلاث سنين على ألف درهم ، ثم بدا له بعد مضي السنة أن ينبذ إليهم يلزمه رد جميع المال ، ولو كان الصلح بحرف الباء يلزمه رد ثلثي المال ; لأن إعطاء الأمان ليس بعقد معاوضة ، وحرف " على " للشرط فجعله بمنزلة الباء مجازا يصار إليه لدلالة المعاوضة ; ولأن غرضهم لا يحصل هناك فمقصودهم أن يتحصنوا في هذه المدة ، ولا يتمكنوا من ذلك في بعض المدة فلهذا حملنا حرف على على الشرط ، وهنا مقصودها يحصل بإيقاع الواحدة فكان محمولا على المعاوضة بمنزلة حرف الباء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : حرف " على " للشرط حقيقة ; لأنه حرف الالتزام ، ولا مقابلة بين الواقع وبين ما التزم ، بل بينهما معاقبة كما يكون بين الشرط ، والجزاء ، فكان معنى الشرط فيه حقيقة ، والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز ، والطلاق مما يحتمل التعليق بالشرط ، فلا حاجة إلى العدول من الحقيقة إلى المجاز .

فإذا كان محمولا على الحقيقة ، والشرط يقابل المشروط جملة ، ولا يقابله جزءا فجزء ، فإنما شرطت لوجوب المال عليها إيقاع الثلاث ، فإذا لم يوقع لا يجب شيء من المال ; ولأن لها في ذلك غرضا صحيحا ، وهو حصول البينونة الغليظة ; حتى لا تصير في وثاق نكاحه ، وإن أكرهها على ذلك فاعتبرنا معنى الشرط في ذلك [ ص: 175 ] ليحصل مقصودها كما في مسألة الأمان ، وكما أن المال في الأمان نادر ، فكذلك في الطلاق الغالب فيه الإيقاع بغير بدل ، وبهذا فارق البيع ، والإجارة ; لأن معنى الشرط هناك تعذر اعتباره ، فإنه لا يحتمل التعليق بالشرط ; فلهذا جعلنا حرف " على " بمعنى حرف الباء ، والدليل على أن " حرف " على للشرط قوله تعالى { إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } ، أي بشرط أن لا أقول ، وقال الله تعالى { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } ، أي بشرط أن لا يشركن ، وهذا بخلاف قوله : طلقني وفلانة على كذا ; لأنه لا غرض لها في طلاق فلانة ; لتجعل ذلك كالشرط منها ولها في اشتراط إيقاع الثلاث غرض صحيح كما بينا ، وإن طلقها ثلاثا في هذه المسألة متفرقات في مجلس واحد ، فالألف لازمة عليها في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى قياسا واستحسانا ; لأن شيئا من البدل لم يجب بإيقاع الأولى والثانية ، والمجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة وعندهما على القياس والاستحسان الذي بينا في حرف الباء .

التالي السابق


الخدمات العلمية