صفحة جزء
( قال ) : ولو أعطى كل مسكين مدا من بر ومدين من شعير أو تمر أجزأه ; لأن كل واحد منهما أصل ، والمقصود يحصل بأداء نصف الواجب من كل صنف ، وهو زوال حاجته في يومه . ولو أطعم الطعام كله مسكينا واحدا لم يجزه في دفعة واحدة ; لأن الواجب تفريق الفعل بالنص فإذا جمع لا يجزيه إلا عن واحد ، كالحاج إذا رمى الحصيات السبع دفعة واحدة ، ولو أعطاه في ستين يوما أجزأه عندنا ، ولا يجزئه عند الشافعي رحمه الله تعالى ; لأن الواجب عليه بالنص إطعام ستين مسكينا ، والمسكين الواحد بتكرار الأيام لا يصير ستين مسكينا فلا يتأدى الواجب بالصرف إليه وشبه هذا بالشهادة ، فإن الشاهد الواحد وإن كرر شهادته في مجلسين لا يصير في معنى شاهدين . ولكنا نقول فيما هو المقصود المسكين الواحد بتجدد الأيام في معنى المساكين ; لأن المقصود سد الخلة ، وذلك يتجدد له بتجدد الأيام فكان هو في اليوم الثاني في المعنى مسكينا آخر لتجدد سبب الاستحقاق له ; ولأن الإطعام يقتضي طعاما لا محالة فمعنى الآية فالطعام طعام ستين مسكينا وقد أدى ذلك ، وبه فارق الشهادة ; لأن المقصود طمأنينة القلب هناك ، وبتكرار الواحد شهادته لا يحصل هذا المقصود ، ولم يذكر ما لو فرق الفعل في يوم واحد ، ولا إشكال في طعام الإباحة أنه لا يجوز ، إلا بتجدد الأيام ; لأن الواحد لا يستوفي في يوم واحد طعام ستين مسكينا .

فأما في التمليك فقد قال بعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى - : يجوز ; لأن التمليك أقيم مقام حقيقة الإطعام ، والحاجة بطريق التمليك ليس لها نهاية ، فإذا فرق الدفعات جاز ذلك في يوم واحد كما في الأيام واستدلوا على هذا بما ذكر في كتاب الإيمان : أنه لو كسا مسكينا واحدا في عشرة أيام كسوة عشرة مساكين أجزأه لتفرق الفعل ، وإن انعدم تجدد الحاجة في كل يوم . والدليل عليه أنه بعد ما أخذ وظيفته في ذلك اليوم لو صرف إليه رجل آخر طعام مسكين عن كفارته يجوز ذلك ، فكذلك إذا صرف إليه ذلك الرجل طعام مسكين ، آخر ; وبعضهم [ ص: 18 ] قالوا لا يجوز ; لأن المعتبر سد الخلة ، ولهذا لا يجوز صرفه إلى الغني ; لأنه طاعم بملكه ، وإطعام الطاعم لا يتحقق كما أن التمليك من المالك لا يتحقق ، وبعد ما استوفى وظيفته في هذا اليوم لا يحصل سد خلته بصرف وظيفة أخرى في هذا اليوم إليه بخلاف كفارة أخرى ; لأن المستوفي في حكم تلك الكفارة كالمعدوم ، ولا يمكن أن يجعل مثله في حق هذه الكفارة وبخلاف الثوب ; لأن تجدد الحاجة إليه يختلف باختلاف أحوال الناس فيه ، فلا يمكن تعليق الحكم بعينه ; لتعذر الوقوف عليه فيقام تجدد الأيام فيه مقام تجدد الحاجة تيسيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية