صفحة جزء
قال ( وإن أجنب الصحيح في المصر فخاف أن يقتله البرد إن اغتسل فإنه يتيمم ) في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى كالمسافر إذا خاف ذلك وعندهما يجزئه ذلك في السفر ولا يجزئه في المصر قالا : لأن السفر يتحقق فيه خوف الهلاك من البرد فإنه لا يجد ماء سخينا ولا ثوبا يتدفأ به ولا مكانا يأويه وأما المصر لا يعدم أحد هذه الأشياء إلا نادرا ولا عبرة بالنادر ولهذا لم يجعل عدم الماء في المصر مجوزا للتيمم بخلاف خارج المصر وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : المسافر يجوز له التيمم مع وجود الماء لخوف الهلاك من البرد فإذا تحقق ذلك في حق المقيم كان هو كالمسافر ; لأن معنى الحرج من استعمال الماء ثابت فيهما ولأن من جاز له التيمم مع وجود الماء فالمصر والسفر له سواء كالمريض [ ص: 123 ] وأما المحبوس في السجن فإن كان في موضع نظيف وهو لا يجد الماء كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إن كان خارج المصر صلى بالتيمم وإن كان في المصر لم يصل وهو قول زفر رضي الله تعالى عنه ثم رجع فقال يصلي ثم يعيد وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى . وجه قوله الأول أن عدم الماء في المصر غير معتبر شرعا حتى لا يسقط عنه الفرض بالتيمم ويلزمه الإعادة فلم يكن التيمم طهورا له ولا صلاة إلا بطهور . وجه قوله الآخر أن عدم الماء في المصر إنما لا يعتبر ; لأنه لا يكون إلا نادرا فأما في السجن فعدم الماء ليس بنادر فكان معتبرا فأمر بالصلاة بالتيمم لعجزه عن الماء فأما الإعادة ففي القياس لا يلزمه وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله تعالى كما لو كان في السفر وفي الاستحسان يعيد ; لأن عدم الماء كان لمعنى من العباد ووجوب الصلاة عليه بالطهارة لحق الله تعالى فلا يسقط بما هو من عمل العباد بخلاف المسافر فإن هناك جواز التيمم لعدم الماء لا للحبس فلا صنع للعباد فيه فهو نظير المقيد إذا صلى قاعدا تلزمه الإعادة إذا رفع القيد عنه بخلاف المريض .

وإن كان محبوسا في مكان قذر لا يجد صعيدا طيبا ولا ماء يتوضأ به فإنه لا يصلي في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يصلي بالإيماء تشبها بالمصلين واختلفت الروايات عن محمد رحمه الله تعالى فذكر في الزيادات ونسخ أبي حفص رحمه الله تعالى من الأصل كقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي نسخ أبي سليمان رحمه الله تعالى ذكر قوله كقول أبي يوسف رحمه الله تعالى ووجهه أن العاقل المسلم لا يجوز أن يمضي عليه وقت الصلاة وهو لا يتشبه بالمصلين فيه بحسب الإمكان والتكليف إنما يتثبت بحسب وسعه ، ووجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن الصلاة بغير طهور معصية ولا يحصل التشبه بالمصلين فيما هو معصية وقد تقدم نظيره . ومن نظائره الهارب من العدو ماشيا والمشتغل بالقتال في حال المسايفة والسابح في البحر بعد ما انكسرت السفينة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى يصلون بالإيماء تشبها ثم يعيدون . وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يصلون ; لأن مع العمل من القتال والسباحة والمشي لا تكون الصلاة قربة وفي الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق } لكونه كان مشغولا بالقتال فدل أنه لا يصلي في هذه الحالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية