صفحة جزء
وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد في مرضه ثم مات وهو موسر لم يضمن حصة شريكه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وقالا هو ضامن لشريكه قيمة نصيبه تستوفى من تركته ; لأن هذا ضمان الإتلاف ، والإفساد فإذا تقرر سببه من المريض كان هو ، والصحيح سواء ، كضمان المغصوب ، والمتلفات ، وهذا ضمان التملك فيستوي فيه الصحيح ، والمريض كالضمان بالاستيلاد ، والحجر بسبب المرض لا يكون أعلى من الحجر بسبب الرق ثم المكاتب لو كاتب نصيبه كان ضامنا لنصيب شريكه فالمريض أولى .

وحجة أبي حنيفة رحمه الله ما قال في الكتاب من قبل : أن الضمان لو وجب لوجب أن يكون من مال الورثة يعني أن تركته تنتقل إلى ورثته بالموت فلو استوفى ضمان العتق إنما يستوفي من مال الوارث [ ص: 120 ] ولا سبب لوجوب هذا الضمان على الوارث .

( فإن قيل ) لا كذلك بل هذا دين لزمه فيمنع انتقال المال إلى وارثه .

( قلنا ) ما لزمه شيء قبل أن يختار الشريك ضمانه ، ولو لزمه فهذا ليس بدين صحيح يتقرر ، ألا ترى أن العسرة تمنع وجوبه ، ومثل هذا الدين لا يمنع ملك الوارث ثم تقريره من وجهين : أحدهما - أن هذا في الصورة دين وفي المعنى صلة ; لأن وجوبها لإكمال الصلة ، وهو العتق والصلة ، وإن تقرر سببها في حياته يجعل كالمضاف إلى ما بعد الموت حتى يتعين من الثلث ولهذا الحرف قال ابن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه : إن كان الضمان يخرج من ثلث ماله يجب ، وإلا فلا ، ولكنا نقول : لكونه في حكم الصلات لا يمنع نقل الملك إلى الوارث ، ولا يجوز استيفاؤه من مال الوارث لما قلنا ; ولأن المرض أنفى للضمان من الفقر حتى أن الفقر لا يمنع ضمان الكفالة ، والمرض يمنع منه فيما إذا زاد على الثلث فإذا كان الفقر ينفي وجوب الضمان للعتق أصلا فلأن ينفيه من مرض الموت أصلا أولى ، وهذا بخلاف المكاتب ; لأن الضمان هناك يجب في كسبه وهو أحق بكسبه يدا ، وتصرفا إنما ينعدم بسبب الرق حقيقة الملك ، والغنى ، وقد بينا أنه لا معتبر بالغنى في وجوب ضمان العتق إنما المعتبر هو اليسر ، والأداء على المكاتب متيسر هناك من كسبه ، والمكاتب فيما يتقرر منه من أسباب الصلة كالحر .

ألا ترى أن المحاباة اليسيرة تصح منه بالاتفاق ، ومن المريض تعتبر من ثلثه ، وهذا بخلاف ما لو كان العتق في الصحة فإن الضمان يستوفى من تركته بعد موته ; لأن السبب هناك تقرر في حال كونه مطلق التصرف في الصلات فيتقرر وجوبه عليه ، ألا ترى أنه لو كفل بمال في صحته فهو معتبر من جميع ماله بخلاف ما إذا كفل في مرضه فهذا مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية