صفحة جزء
باب الصيام

( قال ) : وإذا حنث الرجل ، وهو معسر ، فعليه ثلاثة أيام متتابعة ، فإن أصبح في يوم مفطرا ، ثم عزم على الصوم عن كفارة يمينه لم يجزه ; لأنه دين في ذمته ، وما كان دينا في الذمة لا يتأدى إلا بنية من الليل ; وهذا ; لأنه إنما يتأدى بالنية من النهار صوم يوم توقف الإمساك في أول النهار عليه باعتبار أن النية تستند إليه ، وهذا فيما يكون عينا في الوقت دون ما يكون دينا في الذمة ، وإذا أفطرت المرأة في هذا الصوم لمرض أو حيض فعليها أن تستقبل ; لأنها تجد ثلاثة أيام خالية عن الحيض والمرض ، فلا تعذر فيها بالإفطار بعذر الحيض ، بخلاف الشهرين المتتابعين ، وقد بينا هذا في الصوم ، ولا يجزي الصوم عن هذا في أيام التشريق ; لأنه واجب في ذمته بصفة الكمال ، والصوم في هذه الأيام ناقص ; لأنه منهي عنه ، فلا يتأدى به ما وجب في ذمته بصفة الكمال ، فإن كان لهذا المعسر مال غائب عنه ، أو دين ، وهو لا يجد ما يطعم أو يكسو [ ص: 156 ] ولا ما يعتق أجزأه أن يصوم ; لأن المانع قدرته على المال ، وذلك لا يحصل بالملك دون اليد ، فما يكون دينا على مفلس ، أو غائبا عنه ، فهو غير قادر على التكفير به ، إلا أن يكون في ماله الغائب عبد ، فحينئذ لا يجزيه التكفير بالصوم ; لأنه متمكن من التكفير بالعتق فإن نفوذ العتق باعتبار الملك دون اليد .

وكذلك إن كان العبد آبقا ، وهو يعلم حياته ، فإنه لا يجزيه التكفير بالصوم لقدرته على التكفير بالعتق ، ولو كان له مال ، وعليه دين مثله أجزأه الصوم بعد ما يقضي دينه عن ذلك المال ، وهذا غير مشكل ; لأنه بعد قضاء الدين بالمال غير واجد لمال يكفر به ، وإنما الشبهة فيما إذا كفر بالصوم قبل أن يقضي دينه بالمال ، فمن مشايخنا من يقول : بأنه لا يجوز ، ويستدل بالتقييد الذي ذكره بقوله بعد ما يقضي دينه ; وهذا لأن المعتبر هنا الوجود دون الغنى ، وما لم يقض الدين بالمال ، فهو واجد . والأصح أنه يجزيه التكفير بالصوم لما أشار إليه في الكتاب من قوله : ألا ترى أن الصدقة تحل لهذا ، وفي هذا التعليل لا فرق بينهما قبل قضاء الدين وبعده وهذا لأن المال الذي في يده مستحق بدينه ، فيجعل كالمعدوم في حق التكفير بالصوم كالمسافر إذا كان معه ماء ، وهو يخاف العطش يجوز له التيمم ; لأن الماء مستحق لعطشه فيجعل كالمعدوم في حق التيمم ، وإن صام العبد عن كفارة يمينه ، فعتق قبل أن يفرغ منه ، وأصاب مالا لم يجزه الصوم ; لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل ، وقد بينا مثله في الحر المعسر إذا أيسر ، فكذلك في غيره ; لأن السبب الموجب للكفارة بالمال متحقق في حقه ، ولكن لانعدام الملك كان يكفر بالصوم ، وقد زال ذلك بالعتق فكان هو والحر سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية