صفحة جزء
ولو حلف لا يساكن فلانا في دار قد سماها بعينها ، واقتسما وضربا بينهما حائطا ، وفتح كل واحد منهما بابا لنفسه ، ثم سكن الحالف طائفة ، والآخر طائفة لزمه الحنث ; لأنه قد ساكنه فيها بعينها ، والمعنى فيه أن شرط حنثه حين عقد اليمين أن يجمعهما فعل السكنى في الموضع الذي عينه ، وقد وجد ذلك في القسمة وضرب الحائط كما قبله ، وهذا بخلاف ما لو كانت يمينه على أن لا يساكنه في منزل ، ولم يسم دارا بعينها ، ولم ينوها ; لأن هناك بالقسمة وضرب الحائط صار كل جانب منزلا على حدة ; ولأن في غير العين يعتبر الوصف ، وفي العين يعتبر العين دون الوصف ، كما لو حلف أن لا يكلم شابا فكلم شيخا ، كان شابا وقت يمينه لم يحنث ، بخلاف ما لو حلف أن لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما شاخ يحنث ; وهذا لأنه في الدار المعينة أظهر بيمينه التبرم منها لا من فلان ، وفي غير المعين إنما أظهر التبرم من مساكنة فلان ، ولا يكون مساكنا له إذا لم يجمعهما منزل واحد .

ولو حلف أن لا يساكنه ، وهو ينوي في بيت واحد فساكنه في منزل ، كل واحد منهما في بيت لم يحنث ; لأنه نوى أكمل ما يكون من المساكنة فتصح نيته ، ويصير المنوي كالملفوظ به ، وإن حلف أن لا يسكن دارا بعينها ، فهدمت وبنيت بناء آخر فسكنها يحنث ; لأنها تلك الدار بعينها ، ومعنى هذا أن البناء وصف ، ورفع البناء الأول ، وإحداث بناء آخر يغير الوصف ، وفي العين لا معتبر بالوصف ، واسم الدار يبقى بعد هدم البناء حتى لو سكنها ، كذلك صار حانثا ; وهذا لأن الدار اسم لما أدير عليه الحائط ، فلا يزول ذلك برفع البناء أما ترى أن العرب تطلق اسم الدار على الخرابات التي لم يبق منها إلا الآثار ، قال القائل :

عفت الديار محلها فمقامها

وقال آخر :

يا دار مية بالعلياء فالسند

وهذا بخلاف ما لو حلف لا يسكن بيتا عينه ، فهدم حتى ترك صحراء ، ثم بني بيت آخر في ذلك الموضع فسكنه لم يحنث ; لأن اسم البيت يزول بهدم البناء ، ألا ترى أنه لو سكنه حين كان صحراء لم يحنث ; وهذا لأن البيت اسم لما يكون صالحا للبيتوتة فيه ، والصحراء غير صالح لذلك . واليمين المعقودة باسم لا يبقى بعد زوال الاسم ، ثم إنما حدث اسم البيت لذلك الموضع بالبناء الذي أحدث ، فكان هذا اسما غير ما عقد به اليمين ، ووزانه من الدار أن لو جعلها بستانا أو حماما ، ثم بنى دارا فسكنها لم يحنث ; لأن الاسم زال . جعلها بستانا أو حماما ثم حدث اسم الدار [ ص: 165 ] بصفة حادثة ، فلم يكن ذلك الاسم الذي انعقد به اليمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية