صفحة جزء
( قال ) رجل تزوج امرأة ممن لا يحل له نكاحها فدخل بها لا حد عليه سواء كان عالما بذلك أو غير عالم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، ولكنه يوجع عقوبة إذا كان عالما بذلك ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا كان عالما بذلك فعليه الحد في ذوات المحارم وكل امرأة إذا كانت ذات زوج أو محرمة عليه على التأبيد .

( وحجتهما ) في ذلك أن فعله هذا زنى ، قال الله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } ، وكما في قوله تعالى { إنه كان فاحشة } والفاحشة اسم الزنا ، وفي { حديث البراء بن عازب مر بي خالي أبو بردة بن نيار ومعه [ ص: 86 ] لواء فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح منكوحة أبيه ، وأمرني أن أقتله } ، والدليل عليه أن العقد لا يتصور انعقاده بدون المحل ومحل النكاح هو الحل ; لأنه مشروع لملك الحل ، فالمحرمية على التأبيد لا تكون محلا للحل ، وإذا لم ينعقد العقد لا تحل له ; لأنه لم يصادف محله فكان لغوا كما يلغوا إضافة النكاح إلى الذكور والبيع إلى الميتة والدم ، والدليل عليه أن العقد المنعقد لو ارتفع بالطلاق قبل الدخول لم يبق شبهة مسقطة للحد ، فالذي لم ينعقد أصلا أولى .

وجه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها } فمع الحكم ببطلان النكاح أسقط الحد به فهو دليل على أن صورة العقد مسقطة للحد وإن كان باطلا شرعا ، واختلف عمر وعلي رضي الله عنهما في المعتدة إذا تزوجت بزوج آخر ودخل بها الزوج فقال علي رضي الله عنه : المهر لها ، وقال عمر رضي الله عنه : لبيت المال ، وهذا اتفاق منهما على سقوط الحد ولأن هذا الفعل ليس بزنا لغة ; لما بينا أن أهل اللغة لا يفصلون بين الزنا وغيره إلا بالعقد وهم لا يعرفون الحل والحرمة شرعا فعرفنا أن الوطء المترتب على عقد لا يكون زنى لغة فكذلك شرعا ; لأن هذا الفعل كان حلالا في شريعة من قبلنا ، والزنا ما كان حلالا قط .

وكذلك أهل الذمة يقرون على هذا ، ولا يقرون على الزنا بل يحدون عليه ، وكذلك لا ينسب أولادهم إلى أولاد الزنا فعرفنا أن هذا الفعل ليس بزنا وحد الزنا لا يجب بغير الزنا ; لأنه لو وجب إنما يجب بالقياس ولا مدخل للقياس في الحد ، ثم هذا العقد مضاف إلى محله في الجملة ; لأن المرأة بصفة الأنوثة محل للنكاح ، ولكن امتنع ثبوت حكمه في حقه لما بين الحل والحرمة من المنافاة فيصير ذلك شبهة في إسقاط الحد كما لو اشترى جارية بخمر فإن الخمر ليس بمال ، عندنا ولكن لما كانت مالا في حق أهل الذمة جعل ذلك معتبرا في حق انعقاد العقد به ، فهذه هي التي محل في حق غيره من المسلمين لأن يعتبر ذلك في إيراث الشبهة في حقه أولى والدليل عليه ملك اليمين ، فإن من وطئ أمته التي هي أخته من الرضاع لا يلزمه الحد .

والنكاح في كونه مشروعا للحل أقوى من ملك اليمين ، ثم ملك اليمين في محل لا يوجب الحل بحال يصير شبهة في إسقاط الحد فعقد النكاح أولى وشبهة العقد إنما تعتبر بعد العقد لا بعد الرفع والطلاق رافع للعقد ، وقد بينا أن اسم الفاحشة لا تختص بالزنا بل هو اسم لجميع ما هو حرام قال تعالى { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } وتأويل حديث أبي بردة بن نيار [ ص: 87 ] رحمه الله تعالى أن الرجل استحل ذلك الفعل فكان مرتدا ، ألا ترى أنه قال : وأمرني أن أخمس ماله

التالي السابق


الخدمات العلمية