صفحة جزء
قال : ( فإن تكلم في صلاته ناسيا أو عامدا مخطئا أو قاصدا استقبل الصلاة ) ، وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا كان ناسيا أو مخطئا لا يستقبل إلا إذا طال كلامه ، واحتج لقوله تعالى : { ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } وبقوله صلى الله عليه وسلم : { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } واعتماده على حديث { أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم على رأس ركعتين فقام رجل يقال له ذو اليدين فقال : أقصرت الصلاة أم نسيتها فقال : كل ذلك لم يكن فقال : بعض ذلك قد كان ، فنظر إلى أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقال : أحق ما يقول ذو اليدين ، فقالا : نعم ، فأتم صلاته وسجد للسهو } فقد تكلم ناسيا ثم بنى على صلاته وقاس الكلام بالسلام ; لأن كل واحد منهما قاطع ثم في السلام فصل بين العمد والنسيان فكذلك الكلام ، بخلاف الحدث فإنه مناف للصلاة ; لأنه ينعدم به شرطها فسوينا بين النسيان والعمد لهذا ، ولنا ما روينا ، { وليبن على صلاته ما لم يتكلم } ، فدل أن بعد الكلام لا يجوز البناء قط ، وفي حديث { ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قدم من الحبشة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام ، قال : فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما فرغ قال : يا ابن مسعود إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث أن لا يتكلم في الصلاة } .

وفي حديث { معاوية بن الحكم [ ص: 171 ] رضي الله تعالى عنه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس بعض القوم ، فقلت : يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أماه مالي أراكم تنظرون إلي شزرا ، فضربوا بأيديهم على أفخاذهم ، فعلمت أنهم يسكتونني فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم فوالله ، ما رأيت : معلما أحسن تعليما منه صلى الله عليه وسلم ، ما نهرني ولا زجرني ولكن قال : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي للتسبيح والتهليل وقراءة القرآن } وما لا يصلح للصلاة فمباشرته مفسدة للصلاة ، ألا ترى أن الأكل والشرب مبطل للصلاة ناسيا أو عامدا لهذا ، والخروج في الاعتكاف كذلك ، والجماع في الإحرام كذلك ، ولهذا لو طال الكلام كان مفسدا ، ولو كان النسيان فيه عذرا لاستوى فيه أن يطول أو يقصر كالأكل في الصوم . والقياس في السلام أنه مفسد ، وإن كان ناسيا ولكن استحسنا ما فيه لمعنى لا يوجد ذلك في الكلام ، وهو أن السلام من جنس أركان الصلاة ، فإن المتشهد يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله الصالحين وهو اسم من أسماء الله تعالى ، وإنما أخذ حكم الكلام لكاف الخطاب ، وإنما يتحقق معنى الخطاب فيه عند القصد ، وإذا كان ناسيا شبهناه بالأذكار ، وإذا كان عالما شبهناه بالكلام ، فأما الكلام فهو ليس من أذكار الصلاة فكان منافيا للصلاة على كل حال ، والخطأ والنسيان عذر في رفع الإصر وعليه تحمل الآية والخبر ، فأما حديث ذي اليدين فقد كان في وقت كان الكلام فيه مباحا في الصلاة ثم انتسخ الكلام في الصلاة ، ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام ، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنه ولم يأمرهم بالاستقبال ( فإن قيل : ) كيف يستقيم هذا وإسلام أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بعد فتح خيبر وقد قال : صلى بنا ، وحرمة الكلام في الصلاة كانت ثابتة حين جاء من الحبشة ، وذلك في أول الهجرة ( قلنا : ) معنى قوله : بنا بأصحابنا ولا وجه للحديث إلا هذا ; لأن ذا اليدين قتل ببدر واسمه مشهور في شهداء بدر وذلك قبل خيبر بزمان طويل .

التالي السابق


الخدمات العلمية