صفحة جزء
وعن الشعبي وزياد بن علاقة رحمهما الله تعالى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أني قد أمددتك بقوم من أهل الشام فمن أتاك منهم قبل أن تتفقى القتلى فأشركه في الغنيمة فيه بيان أن الإمام إذا بعث جيشا ينبغي له أن يمدهم بقوم أخر ليزدادوا بهم قوة وأن المدد إذا لحق الجيش بعد إصابة الغنيمة قبل الإحراز فإنهم يشاركونهم في المصاب كما هو مذهب علمائنا رحمهم الله تعالى وأن مراد عمر رضي الله عنه في قوله : الغنيمة لمن شهد الوقعة . إذا كانت الوقعة في دار الإسلام ودار الحرب بمنزلة موضع واحد فمن حصل من المدد في دار الحرب كان شاهدا للوقعة معنى وتكلموا في معنى قوله : قبل أن تتفقى القتلى . قيل : معناه قبل أن تتشقق القتلى بطول الزمان فجعل ذلك كناية عن الانصراف إلى دار الإسلام وقيل : معناه قبل أن يميز قتلى المسلمين من قتلى المشركين والتفقؤ عبارة عن هذا ومنه سمي الفقيه لأنه يميز الصحيح من السقيم وقال الشاعر

: تفقأ فوقه القلع السواري وجن الخازباز به جنونا

. ومنهم من يروي تتقفى القتلى القاف قبل الفاء ومعناه قبل أن تجعلوا القتلى على قفاكم بالانصراف [ ص: 23 ] إلى دار الإسلام وعن أبي قسيط قال : بعث أبو بكر رضي الله عنه عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة رجل مددا لزياد بن لبيد البياضي والمهاجر بن أمية المخزومي إلى اليمن فأتوهم حتى افتتحوا النجير فأشركهم في الغنيمة ، وبهذا يستدل من يجعل للمدد شركة وإن لحقوا بالجيش في دار الإسلام لأن بالفتح قد صارت تلك البقعة دار إسلام ولكنا نقول : تأويله أنهم فتحوا ولم تجر أحكام الإسلام فيها بعد وبمجرد الفتح قبل إجراء أحكام الإسلام لا تصير دار إسلام وعليه يحمل أيضا ما روي أن { أبا هريرة رضي الله عنه التحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما فتح خيبر ، } وكذلك جعفر مع أصحابه رضي الله عنهم قدموا من الحبشة بعد فتح خيبر حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : لا أدري بأي الأمرين أنا أشد فرحا بفتح خيبر أو بقدوم جعفر } ولم يشركهم في الغنيمة لأنهم إنما أدركوا بعد تصير البقعة دار إسلام فلهذا لم يسهم لهم ، مع أن غنائم خيبر كانت عدة من الله تعالى لأهل الحديبية خاصة كما قال الله تعالى { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه } وهما ما كانا من أهل الحديبية فلهذا لم يسهم لهما والدليل على أن للمدد شركة إذا لحقوا بالجيش في دار الحرب ما روي أن أهل الكوفة غزوا نهاوند فأمدهم أهل البصرة بألفي فارس وعليهم عمار بن ياسر رضي الله عنه فأدركوهم بعد إصابة الغنيمة فطلب عمار رضي الله عنه الشركة وكان على الجيش رجل من عطارد فقال : يا أجدع أتريد أن تشركنا في غنائمنا فقال عمار رضي الله عنه : خير أذني سببت وكان قد قطعت إحدى أذنيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ثم رفع إلى عمر رضي الله عنه فجعل لهم الشركة في الغنيمة فبهذه الآثار يأخذ علماؤنا رحمهم الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية