صفحة جزء
وعن ابن عباس رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بيهود قينقاع على بني قريظة ولم يعطهم من الغنيمة شيئا } وفي هذا دليل أنه لا بأس للمسلمين أن يستعينوا بأهل الذمة في القتال مع المشركين وقد كره ذلك بعض الناس فقالوا : فعل المشركين لا يكون جهادا ، فلا ينبغي أن يخلط بالجهاد ما ليس بجهاد ، واستدلوا على ذلك بما روي { أن رجلين من المشركين خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال : لا يغز معنا إلا من كان على ديننا فأسلما } ، ولكنا نقول في الاستعانة بهم : زيادة كبت وغيظ لهم والاستعانة بهم كالاستعانة بالكلاب عليهم ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لعلمه أن الرجلين يسلمان إذا أبى ذلك عليهما .

ألا ترى أنه قال في الحديث { فأسلما ، } وقيل : كان يخاف الغدر منهما لضعف كان بالمسلمين يوم بدر كما قال الله [ ص: 24 ] تعالى { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } ، وإذا خاف الإمام ذلك فلا ينبغي أن يستعين بهم ، وأن يمكنهم من الاختلاط بالمسلمين وهو تأويل ما ذكر من حديث الضحاك رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد ، فإذا كتيبة حسناء ، أو قال : خشناء ، فقال : من هؤلاء ؟ قالوا : يهود كذا وكذا ، فقال : لا نستعين بالكفار } ، أو تأويله أنهم كانوا متعززين في أنفسهم لا يقاتلون تحت راية المسلمين ، وعندنا إنما يستعين بهم إذا كانوا يقاتلون تحت راية المسلمين ، فأما إذا انفردوا براية أنفسهم فلا يستعان بهم ، وهو تأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا تستضيئوا بنار المشركين } ، وقال صلى الله عليه وسلم { : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك } يعني : إذا كان المسلم تحت راية المشركين .

التالي السابق


الخدمات العلمية