صفحة جزء
( قال ) وسألته عن أصحاب الصوامع ، والرهبان فرأى قتلهم حسنا ، وفي السير الكبير مروي عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنهم لا يقتلون ، وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله ، وقيل لا خلاف في الحقيقة ، فإنهم إن كانوا يخالطون الناس يقتلون عندهم جميعا ; لأن المقاتلة يصدرون عن رأيهم ، وهم الذين يحثونهم على قتال المسلمين ، وإن كانوا طينوا على أنفسهم الباب ، ولا يخالطون الناس أصلا ، فإنهم لا يقتلون ; لأنهم لا يقاتلون بالفعل ، ولا بالحث عليه ، وقيل : بل في المسألة خلاف فهما استدلا بوصية أبي بكر رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان حيث قال : وستلقى أقواما من أصحاب الصوامع ، والرهبان زعموا أنهم فرغوا أنفسهم للعبادة فدعهم وما فرغوا أنفسهم له ، والمعنى فيه أنهم لا يقاتلون ، والقتل لدفع القتال فكانوا هم في ذلك كالنساء ، والصبيان وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : هؤلاء من أئمة الكفر قال تعالى { فقاتلوا أئمة الكفر } فمعنى هذا الكلام أنهم فرغوا أنفسهم للإصرار على الكفر ، والاشتغال بما يمنع عنه في الإسلام ، والظاهر أن الناس يقتدون بهم فهم يحثون الناس على القتال فعلا ، وإن كانوا لا يحثونهم على ذلك قولا ، ولأنهم بما صنعوا لا تخرج بنيتهم من أن تكون صالحة للمحاربة ، وإن كانوا لا يشتغلون بالمحاربة كالمشغولين بالتجارة والحراثة منهم ، بخلاف النساء والصبيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية