صفحة جزء
قال : ( وقتل الحية والعقرب في الصلاة لا يفسدها ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { اقتلوا الأسودين ، ولو كنتم في الصلاة } { ولدغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عقرب في صلاته فوضع عليه نعله وغمزه حتى قتله ، فلما فرغ قال : لعن الله العقرب لا تبالي نبيا ولا غيره ، أو قال مصليا ولا غيره } ، ولأنه رخص للمصلي أن يدرأ عن نفسه ما يشغله عن صلاته ، وهذا من جملة ذاك وقيل : هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقرب ، فأما إذا احتاج إلى معالجة وضربات فليستقبل الصلاة كما لو قاتل إنسانا في صلاته ; لأن هذا عمل كثير والأظهر أن الكل سواء فيه ; لأن هذا عمل رخص فيه للمصلي فهو كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ ، وإذا رمى طائرا بحجر لم تفسد صلاته ; لأن هذا عمل قليل ولكنه مكروه ; لأنه اشتغال بما ليس من أعمال الصلاة ، ولم يذكر الكراهة في قتل الحية والعقرب ; لأنه محتاج إلى ذلك لدفع أذاها عن نفسه ، وليس في أذى الطير ما يحوجه إلى هذا لدفع أذاها عن نفسه فلهذا ذكر الكراهة فيه .

وإن أخذ قوسا ورمى به فسدت صلاته ، وبعض أهل الأدب عابوا عليه في هذا اللفظ ، وقالوا : الرمي بالقوس إسقاطه من يده ، وإنما يقال : يرمي إذا رمى بالسهم غير أن المقصود لمحمد كان تعليم عامة الناس ، ووجد هذا اللفظ معروفا في لسان العامة فلهذا ذكره ، وإنما فسدت صلاته ; لأنه عمل كثير ، فإن أخذ القوس [ ص: 195 ] وتثقيف السهم عليه والمد حتى رمى عمل كثير يحتاج فيه إلى استعمال اليدين ، والناظر إليه من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة ، فكان مفسدا لهذا ، وكذلك لو ادهن أو سرح رأسه أو أرضعت المرأة صبيها ، من أصحابنا من جعل الفاصل بين العمل القليل والكثير أن يحتاج فيه إلى استعمال اليدين حتى قالوا إذا زر قميصه في الصلاة فسدت صلاته ، وإذا حل إزاره لم تفسد ، والأصح أن يقال فيه : إن كل عمل إذا نظر إليه الناظر من بعيد لا يشك أنه في غير الصلاة فهو مفسد لصلاته ، وكل عمل لو نظر إليه الناظر فربما يشتبه عليه أنه في الصلاة فذلك غير مفسد ، فما ذكر من الأعمال إذا نظر الناظر إليه لا يشك أنه في غير الصلاة ، فإن المرأة إذا حملت صبيها أو أرضعته لم يشكل على أحد أنها في غير الصلاة ، وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم { قرأ المعوذتين في صلاة الفجر ثم قال : سمعت بكاء صبي فخشيت على أمه أن تفتتن } ، فلو كان الإرضاع غير مفسد للصلاة لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة القراءة لأجل بكائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية