صفحة جزء
. قال : ( أقام رب الدابة البينة أنها نفقت عند الغاصب من ركوبه ، وأقام الغاصب البينة أنه قد ردها إليه وماتت في يده فعلى الغاصب القيمة ) ; لأن رب الدابة يثبت على الغاصب سبب وجوب القيمة ، والغاصب ينفي ذلك ; لأن [ ص: 81 ] موت الدابة في يد مالكها لا يوجب الضمان على أحد ، والبينات للإثبات دون النفي .

( فإن قيل : ) سبب وجوب الضمان على الغاصب ظاهر فهو يثبت ببينته ما يبرئه عن الضمان وهو الرد ، فكانت بينته أولى بالقبول ( قلنا : ) نعم ، ولكن ثبوت الرد لا يمنع قبول بينة المالك على هلاكها من ركوب الغاصب ; لجواز أن يكون ركبها بعد الرد فماتت من ركوبه فلهذا جعلنا بينته أولى بالقبول ، وكذلك لو شهد شهود صاحبها أن الغاصب قتلها أو أنه هدم الدار ، وشهود الغاصب أنه ردها إليه على حالها ; لأن القتل بعد الرد يتحقق من الغاصب ، وكذلك لو هدم الدار بعد الرد يتحقق منه فيجب قبول بينة صاحبها في إثبات سبب متجدد للضمان على الغاصب ; لأن الغاصب بينته تنفي ذلك السبب ، فأما إذا أقام صاحبها البينة أنها ماتت في يد الغاصب ، وأقام الغاصب البينة أنه ردها فماتت في يد صاحبها فعلى قول أبي حنيفة تقبل بينة صاحبها كما في الفصول المتقدمة ; لأن الغصب بعد الرد يتحقق فصاحبها ببينته يثبت سبب ضمان متجدد ، وهو غصبه إياها عند الموت فيقضي له بالضمان لهذا ، وعند محمد رحمه الله البينة بينة الغاصب هنا لما فيها من إثبات الرد وسقوط الضمان عنه به ، ثم ليس في بينة صاحبها هنا إثبات سبب متجدد ، والظاهر أنهم إنما شهدوا بذلك ; لأنه خفي عليهم الرد ، وقد علموا الغصب فاستصحبوا ذلك ، وشهدوا أنها ماتت في يد الغاصب ، وشهود الغاصب علموا الرد ، وقد علموا الغصب فشهدوا به بخلاف ما سبق ، فإن القتل والهدم والإتلاف من الركوب سبب متجدد لا يشهدون عليه ما لم يعاينوه باعتبار علمهم بالغصب السابق .

التالي السابق


الخدمات العلمية