صفحة جزء
( ثم ) الشركة نوعان : شركة الملك وشركة العقد . ( فشركة الملك ) أن يشترك رجلان في ملك مال ، وذلك نوعان : ثابت بغير فعلهما كالميراث ، وثابت بفعلهما ، وذلك بقبول الشراء ، أو الصدقة أو الوصية . والحكم واحد ، وهو أن ما يتولد من الزيادة يكون مشتركا بينهما بقدر الملك ، وكل واحد منهما بمنزلة الأجنبي في التصرف في نصيب صاحبه .

( وأما شركة العقد ) فالجائز منها أربعة أقسام : المفاوضة ، والعنان ، وشركة الوجوه ، وشركة التقبل . ويسمى هذا شركة الأبدان ، وشركة الصنائع . ( فأما العنان ) فهو مشتق من قول القائل : عن لي كذا أي عرض . قال امرؤ القيس :

فعن لنا سرب كأن نعاجه عذارى دوار في ملاء مذبل

. أي : عرض ، وزعم بعض أهل الكوفة أن هذا شيء أحدثه أهل الكوفة ، ولم يتكلم به العرب ، وليس كذلك ; فقد قال النابغة الجعدي :

وشاركنا قريشا في نقاها     وفي أحسابها شرك العنان

. ( وقيل ) : هو مأخوذ من عنان الدابة ، على معنى أن راكب الدابة يمسك العنان بإحدى يديه ، ويعمل بالأخرى ، وكل واحد من الشريكين يجعل عنان التصرف في بعض المال إلى صاحبه دون البعض ، أو على معنى أن للدابة عنانين : أحدهما أطول ، والآخر أقصر ، فيجوز في [ ص: 152 ] هذه الشركة أن يتساويا في رأس المال ، والربح ، أو يتفاوتا ; فسميت عنانا ( وأما المفاوضة ) فقد قيل : اشتقاقها من التفويض ; فإن كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه في جميع مال التجارة . ( وقيل ) : اشتقاقها من معنى الانتشار ، يقال : فاض الماء إذا انتشر واستفاض الخير يستفيض إذا شاع . فلما كان هذا العقد مبنيا على الانتشار ، والظهور في جميع التصرفات سمي مفاوضة . ( وقيل ) : اشتقاقها من المساواة ، قال القائل :

لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم     ولا سراة إذا جهالهم سادوا

يعني : متساوين . فلما كان هذا العقد مبنيا على المساواة في المال والربح ; سمي مفاوضة

( وأما شركة الوجوه ) تسمى شركة المفاليس ، وهو أن يشترك الرجلان بغير رأس مال على أن يشتريا بالنسيئة ، ويبيعا . سميت بهذا الاسم على معنى أن رأس مالهما وجههما ، فإنه إنما يباع في النسيئة ممن له في الناس وجه ، وشركة التقبل أن يشترك صانعان في تقبل الأعمال كالخياطة والقصارة ، ونحو ذلك ، وتسمى شركة الأبدان لأنهما يعملان بأبدانهما . وشركة الصنائع ; لأن رأس مالهما صنعتهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية