صفحة جزء
قال : ( وإن اشترى أحدهما شيئا من تجارتهما فوجد به عيبا : لم يكن للآخر أن يرده ) ; لأن الرد بالعيب من حقوق العقد ، وذلك يتعلق بالعاقد ، ولأن الآخر في النصف أجنبي ، وفي النصف موكل ، وليس للموكل أن يخاصم في العيب مع البائع فيما اشتراه وكيله . وكذلك لو أخذ أحدهما مالا مضاربة ، فربح فيه : كان الربح له خاصة ; لأن مال المضاربة ليس من شركتهما في شيء ; فعمله فيه يكون لنفسه خاصة دون شريكه ، واستحقاق المضارب الربح بعمله ، وكل وضيعة لحقت أحدهما من غير شركتهما فهي عليه خاصة ; لأن فيما ليس من شركتهما كل واحد منهما من صاحبه بمنزلة الأجنبي . وعلى هذا : لو شهد أحدهما لصاحبه بشهادة من غير شركتهما فهو جائز ; لأنه عدل لا تهمة في شهادته بخلاف ما هو من شركتهما ; فإنه متهم في شهادته ; لما له من النصيب في المشهود به . وقال أبو حنيفة : لشريك العنان أن يضع وأن يدفع المال مضاربة - وإن لم يأذن له شريكه في ذلك - ويجوز له أن يعمل في المال الذي ليس من شركتهما كل شيء يجوز للمضارب أن يعمله . وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - . وهذه المسألة تشتمل على فصول ( أحدهما ) : أن لأحد الشريكين أن يوكل بالتصرف ، وهو استحسان ، وفي القياس : ليس له ذلك ; لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه ، وليس للوكيل أن يوكل غيره . وأن الموكل إنما رضي برأيه ولم يرض برأي غيره . وفي الاستحسان : التوكيل من عادة التجار ، وكل واحد منهما لا يجد بدا منه ; لأن الربح لا يحصل إلا بالتجارة الحاضرة والغائبة ، وكل واحد منهما عاجز عن مباشرة النوعين لنفسه ، ولا يجد بدا من أن يوكل غيره بأحد النوعين ليحصل مقصودهما - وهو الربح - فيصير كل واحد منهما كالآذن لصاحبه في ذلك دلالة . ولأن الوكالة التي تتضمنها الشركة بمنزلة الوكالة العامة ، ولهذا صحت من غير بيان جنس المشترى وصفته . وفي الوكالة العامة : للوكيل أن يوكل غيره ; فإنه لو قال لوكيله : اعمل برأيك ; كان له أن يوكل غيره .

( وكذلك ) لأحد الشريكين أن يضع ; لأن ذلك من عادة التجار ، ولأنه لو استأجر من يتصرف في مال الشركة لجاز ذلك منه على شريكه . فإذا وجد من يتصرف بغير أجر كان له أن يضعه بطريق الأولى .

( وكذلك ) له أن يودع من مال الشركة ; لأن له أن يستأجر من يحفظ مال الشركة . فلأن يكون له أن يودع ليحفظ المودع بغير أجر أولى . وله أن يدفع من مال الشركة مضاربة ; لأن له أن يستأجر من يتصرف في مال الشركة بأجر مضمون في الذمة . [ ص: 176 ] فلأن يكون له أن يستأجر من يتصرف ببعض ما يحصل من عمله من غير أن يكون ذلك مضمونا في الذمة أولى ; لأن هذا أنفع لهما .

( وروى ) الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أنه ليس له أن يدفع المال مضاربة ; لأنه إيجاب الشركة للمضارب في الربح ، فيكون بمنزلة عقد الشركة ، وليس لأحد الشريكين أن يشارك مع غيره بمال الشركة . فكذلك لا يدفعه مضاربة . وما ذكره في الكتاب أصح . ووجه الفرق بين الشركة والمضاربة : أن ما يستفاد بعقد فهو من توابع ذلك العقد ، وإنما يتبع الشيء ما هو دونه لا ما هو مثله ، أو فوقه ، والمضاربة دون الشركة . ألا ترى أنه ليس على المضارب شيء من الوضيعة ، وأن المضاربة لو فسدت لم يكن للمضارب شيء من الربح فيمكن جعل المضاربة مستفادة بعقد الشركة ; لأنه دونه ، فأما الاشتراك مع الغير مثل الأول ; فلا يمكن أن يجعل من توابعه مستفادا به ; فهو نظير . ما يقول : إن للمضارب أن يوكل ; لأن الوكالة دون المضاربة ، وليس له أن يدفع المال مضاربة ; لأن الثاني مثل الأول ; فلا يكون مستفادا به ، ولهذا لم يكن للوكيل أن يوكل بمطلق التوكيل ; لأن الثاني مثل الأول ، ولكن هذا كله في حق الغير . فأما في حق نفسه فيجوز أن يوجب لغيره مثل ماله . ولهذا كان للمكاتب أن يكاتب ، وللمأذون أن يأذن لعبده ; لأنه متصرف لنفسه بفك الحجر عنه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية