صفحة جزء
باب خصومة المفاوضين فيما بينهما . قال : ( وإذا ادعى رجل على رجل أنه شاركه شركة مفاوضة ، وجحد المدعى عليه ، والمال في يد الجاحد ، فالقول قول الجاحد مع يمينه وعلى المدعي البينة ) ; لأنه يدعي العقد ، واستحقاق نصف ما في يده - وذو اليد منكر - فعلى المدعي البينة ، وعلى المنكر اليمين . وإن أقام المدعي البينة فشهد الشهود أنه مفاوضة ، أو زادوا على هذا فقالوا : المال الذي في يده من شركتهما ، أو قالوا : هو بينهما نصفين فإنه يقضى للمدعى بنصفه ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم ، ولأنهما إن قالا : المال الذي في [ ص: 185 ] يده بينهما نصفان ، أو هو من شركتهما فقد صرحا بالشهادة للمدعى بملك نصف ما في يد ذي اليد ، وإن قالا : هو مفاوضة فمقتضى المفاوضة هذا ، وهو أن يكونا مستويين في ملك المال شريكين فيه فإذا قضى القاضي بذلك ، ثم ادعى ذو اليد عينا مما في يده أنه ميراث له ، وأقام البينة على ذلك لم تقبل بينته في قول أبي يوسف رحمه الله . وقال محمد : إن كان شهود المدعي شهدوا بأنه مفاوضة فبينة ذي اليد مقبولة ، وإن شهدوا أن المال الذي في يده من شركتهما ، أو هو بينهما ; فلا تقبل بينة ذي اليد بعد ذلك . واحتج في ذلك فقال : القاضي يقضي بما شهد به الشهود فإذا شهدوا بمطلق المفاوضة قضى القاضي بذلك أيضا . ومطلق المفاوضة لا ينفي احتمال كون بعض ما في يده ميراثا له .

ألا ترى أن العقد لو كان ظاهرا بينهما ، وورث أحدهما مالا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة كان ذلك له خاصة ، وتبقى المفاوضة بينهما إلا أنا إنما نجعل جميع ما في يده بينهما نصفين لاعتبار مقتضى المفاوضة ، وهذا ظاهر نعتبره ، والظاهر يسقط اعتباره إذا قام الدليل بخلافة فإذا أقام البينة على عين أنه ميراث له فقد ظهر الدليل المانع من اعتبار الظاهر في هذا العين ، فيجب العمل بذلك الدليل بخلاف ما إذا شهدوا بالشركة فيما في يده ; لأن القاضي قضى بالشركة بدليل موجب لذلك . فإقامة البينة بعد ذلك على عين أنه ميراث يتضمن إبطال حكم الحاكم ، وبينة المقضي عليه على إبطال القضاء لا تكون مقبولة . والدليل على الفرق بين حالة الإطلاق والبيان أن شاهدين لو شهدا بدار في يد رجل لإنسان ، وقضى القاضي بذلك ، ثم زعم المدعي أن البناء كان ملك المقضي عليه فإنه لا يبطل قضاء القاضي بالأرض له . ولو كان الشهود شهدوا له بالبناء والأرض مفسرا ، ثم أقر المدعي أن البناء للمدعى عليه يكون ذلك إكذابا منه لشهوده ، ويبطل به قضاء القاضي له ، والفرق ما بينا أن البناء تبع فاستحقاقه في الفصل الأول باعتبار الظاهر إلى استحقاقه الأصل . وعند التفسير والبيان استحقاقه البناء بالحجة ، فإذا أكذب شهوده في ذلك بطلت شهادتهم له . وجه قول أبي يوسف رحمه الله أن ذا اليد صار مقضيا عليه بنصف ما في يده لصاحبه ، وبينة المقضي عليه في إثبات الملك لا تقبل إلا أن يدعي تلقي الملك من جهة المقضي له ، كما لو كانت الشهادة مفسرة ; وهذا لأن الأسباب غير مطلوبة لأعيانها بل لأحكامها ، والمفاوضة سبب ، وحكمها الشركة في المال . ألا ترى أن دعوى المفاوضة لا تصح بدون دعوى الشركة في المال ، فكذا في الشهادة عليها إنما تقبل باعتبار الحكم . ولا فرق بين أن يصرح الشاهد بالحكم ، [ ص: 186 ] وبين أن يذكر السبب في أن القاضي يقضي بالحكم والسبب جميعا بالشهادة ، كما لو شهدوا بالشراء ، أو بالشراء والملك جميعا للمشتري ، ثم عند التفسير لم تقبل بينة ذي اليد يعتبرون به مقضيا عليه ، فكذلك عند الإبهام .

التالي السابق


الخدمات العلمية