صفحة جزء
قال : ( وإذا افترق المتفاوضان ، ثم ادعى أحدهما أن صاحبه كان شريكه بالثلث ، وادعى صاحبه النصف ، وكلاهما مقر بالمفاوضة ، فجميع المال من العقار وغيره بينهما نصفان ) ; لأن موجب المفاوضة المساواة في ملك المال . فاتفاقهما على المفاوضة يكون اتفاقا على حكمها ، وهو أن المال بينهما نصفان ، ثم مدعي التفاوت يكون راجعا بعد الإقرار ، ومناقضا في كلامه ، ولأن مطلق الإقرار بالعقد يتناول الصحيح من العقد ، ولا تصح المفاوضة إلا بعد التساوي بينهما في المال إلا ما كان من ثياب كسوة ، أو متاع بيت ، أو رزق العيال أو خادم يطؤها فإني أجعل ذلك لمن يكون في يديه ، ولا أجعله في الشركة - استحسانا - وفي القياس : يدخل هذا في الشركة ; لأنه مال في يد أحدهما ، وهو حاصل بالتصرف ، وكل واحد منهما في التصرف قائم مقام صاحبه . ووجه الاستحسان أن هذه الأشياء مستثناة من عقد الشركة لعلمنا بوقوع الحاجة لكل واحد من المتفاوضين إليها مدة المفاوضة . ولهذا لو عايناه اشترى ذلك جعلناه مشتريا لنفسه فإذا صار مستثنى لم يتناوله مطلق المفاوضة ، فينفى ظاهر الدعوى والإنكار ، ويجعل القول قول ذي اليد ; لإنكاره . وكذلك الخادم يطؤها ; لأن فعله محمول على ما يحل شرعا ولا يحل له الإقدام على وطئها إلا إذا كان مختصا بملكها . أرأيت لو كانت مدبرة أو أم ولد أما كان القول فيها قول ذي اليد ، وكذلك الأمة . ولذلك لو لم يفترقا ، ولكن مات أحدهما ثم اختلفوا في مقدار الشركة ، فهو على النصف ; لأنا علمنا بوجود المال في يد أحدهما في حال قيام المفاوضة وتأثير موت أحدهما في نقض العقد ، فهو وافتراقهما سواء .

( ولو كانا حيين والمال في يد أحدهما ، وهو منكر للشركة وأقام الآخر البينة أنه شريكه شركة مفاوضة له الثلثان ، وللذي في يده الثلث ; فهذه الشهادة في القياس لا تقبل ) ، لأن إقراره بالمفاوضة إقرار بالمناصفة في المال ، وذلك إكذاب منه لشهوده فيما شهدوا به من الثلث والثلثين ، والمدعي إذا كذب شاهده تبطل شهادته له . وفي الاستحسان شهادتهم على أصل المفاوضة مقبولة والمال بينهما نصفان ; لأنه لا حاجة بهم إلى إتمام الشهادة إلى ما ذكروا من الثلث والثلثين فتلغى تلك الشهادة فتبقى شهادتهم على أصل المفاوضة ، ولأن من الناس من يقول : مع التفاوت [ ص: 189 ] في المال تصح المفاوضة . فلعل الشهود ممن يعتمدون ذلك ففسروا بناء على اعتقادهم ، ولكن القاضي يبني ما ثبت عنده على اعتقاده - لا على اعتقاد الشهود - فتبين بهذا الفعل ضعف كلام محمد رحمه الله في الفرق بين ما إذا فسر الشهود أو أبهموا ; فإن تفسيرهم لما لم يعتبر في قبول شهادتهم على المفاوضة ، فكذلك لا يعتبر تفسيرهم في المنع من قبول بينة أحدهما على متاع في يده أنه ميراث . بل المبهم والمفسر في ذلك سواء ، وكذلك لو كان المدعي ميتا وأقام وارثه البينة على مثل ذلك ; لأنه خليفة مورثه قائم مقامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية