صفحة جزء
قال : ( ولا تجوز المفاوضة بين المسلم والذمي في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله ) وقال أبو يوسف رحمه الله : يجوز ذلك ، وهي مكروهة . [ ص: 197 ] ووجه قوله : إن كل واحد منهما من أهل الوكالة والكفالة على الإطلاق فتصح المفاوضة بينهما كالمسلمين والذميين ; وهذا لأن مقتضى المفاوضة والكفالة الوكالة . فإنما تشترط أهلية كل واحد منهما في ذلك ، ثم كل واحد منهما مالك للتصرف بنفسه ; فكان كل واحد منهما من أهل المفاوضة . ألا ترى أن المفاوضة تصح بين الذميين والمسلمين ، فكذلك تصح بين المسلم والذمي ، ولا معتبر بتفاوتهما في التصرف من حيث إن المسلم لا يتصرف في الخمر والخنزير ، والذمي يتصرف في ذلك ; وهذا لأن الذمي الذي هو شريك المسلم مفاوضة لا يتصرف " عندي " في الخمر والخنزير . ثم لا معتبر بالمساواة في التصرف . ألا ترى أن المفاوضة تصح بين الكتابي والمجوسي ، والمجوسي يتصرف في الموقوذة ; لأنه يعتقد فيها المالية ، والكتابي لا يفعل ، وكذلك المفاوضة تصح بين حنفي المذهب وشافعي المذهب ، وإن كان الحنفي يتصرف في المثلث النبيذ ; لأنه يعتقد فيه المالية . وشافعي المذهب يتصرف في متروك التسمية عمدا ; لأنه يعتقد فيها المالية .

ثم هذا التفاوت لا يمنع صحة المفاوضة بينهما ، فكذلك المسلم والذمي وهما يقولان : مبنى المفاوضة على المساواة ، ولا مساواة بين المسلم والذمي في التصرف ولا في محل التصرف - وهو المال - فإن الخمر والخنزير مال متقوم في حق أهل الذمة يجوز تصرفهم فيها بيعا وشراء وسلما ، في الخمر وهي ليست بمال في حق المسلم ; فتنعدم المساواة بينهما ، وبدون المساواة لا تكون الشركة مفاوضة . ألا ترى أن المفاوضة لا تصح بين الحر والعبد لانعدام المساواة بينهما ، قال : قوله : بأنه لا يتصرف في الخمر والخنزير إذا كان مفاوضا للمسلم ، قلنا : المعنى الذي لأجله كان ينفذ تصرفه في الخمر والخنزير إذا كان مفاوضا للمسلم هو اعتقاد المالية والتقوم فيه ، وذلك لا ينعدم بالمفاوضة مع المسلم ، فلا بد من القول بنفوذ التصرف عليه ، وهذا بخلاف المفاوضة بين الكتابي والمجوسي ; لأن من يجعل الموقوذة مالا متقوما في حقهم لا يفصل بين الكتابي والمجوسي ، فتتحقق المساواة بينهما في التصرف . ( فإن قيل ) : لا تتحقق المساواة ، فإن الكتابي يؤاجر نفسه للذبح والتضحية ، والمجوسي لا يؤاجر نفسه لذلك ; لأن ذبيحته لا تحل . ( قلنا ) : لا كذلك ، بل لكل واحد منهما أن يتقبل ذلك العمل على أن يقيمه بنفسه أو بنائبه . وإجارة المجوسي نفسه للذبح صحيح يستوجب به الأجر - وإن كان لا تحل ذبيحته - . فأما بين الحنفي والشافعي تتحقق المساواة ; لأن الدلالة قامت على أن متروك التسمية عمدا ليس بمال متقوم ، ولا يجوز التصرف فيه من الحنفي والشافعي جميعا لثبوت ولاية الإلزام [ ص: 198 ] بالمحاجة له والدليل ; فتتحقق المساواة بينهما في المال والتصرف . وإنما كرهه أبو يوسف رحمه الله لأن في المفاوضة الوكالة . ويكره للمسلم توكيل الذمي بالتصرف له .

التالي السابق


الخدمات العلمية