صفحة جزء
ثم حل التناول بالاصطياد مختص بشرائط :

( أحدها ) أن يكون ما يصطاد به معلما . ( والثاني ) أن يكون جارحا قال الله تعالى : { ومما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله } وفي معنى الجوارح قولان : ( أحدهما ) أن يكون جارحا حقيقة بنابه ومخلبه ، ( والثاني ) الكواسب قال الله تعالى : { ويعلم ما جرحتم بالنهار } أي كسبتم ، ويمكن حمله عليها فنقول : الشرط أن يكون من الكواسب التي تخرج . ( والثالث ) الإرسال ثبت ذلك في السنة ، وهو { قوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم : وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل } . فلما حرم التناول عند عدم الإرسال في أحد الكلبين دل أن الإرسال في ذلك [ ص: 222 ] شرط ، ولأن التذكية إنما تكون موجبا للحل إذا حصل من الآدمي ، فلا بد من جعل آلة الصيد نائبا عن الآدمي ليحصل الحل بفعله ، وذلك لا يكون إلا بالإرسال ، واشتراط كونه معلما لتحقق الإرسال فيه . ( والرابع ) التسمية . ( والخامس ) إمساكه على صاحبه لقوله تعالى : { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } ومطلق الأمر مفيد للوجوب ، ولا يجب التسمية عند الأكل ، فعرفنا أن المراد به عند الإرسال .

( والسادس ) أن يكون الصيد مما يباح تناوله ، ويكون ممتنعا ومستوحشا . ( والسابع ) أن لا يتوارى عن بصره أو لا يقعد عن طلبه حتى يجده ; لأنه إذا غاب عن بصره ، فلا يدري لعل موته كان بسبب آخر سوى جرح ما أرسله ، وإليه أشار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بقوله : كل ما أممت ، ودع ما أيمنت والإماء ما رأيته ، والإيماء ما غاب عنك ، وإذا قعد عن طلبه ، فلا يدري لعله لو تبعه وقع في يده حيا ، وقدر على ذبحه في المذبح ، وترك ذلك مع القدرة عليه محرم ، والأصل فيه أنه متى اجتمع في الصيد لعل وعسى أن لا يحل تناوله ، وإليه { أشار النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه إذا وقعت رميتك في الماء ، فلا تأكل ، فإنك لا تدري أن الماء قتله أو سهمك } إذا عرفنا هذا فنقول : كما يشترط فيما أرسله الصياد أن يكون خارجا فكذلك فيما يرمى به ، وبها الكتاب ببيانه مروي عن إبراهيم رحمه الله إذا خرق المعراض فكل ، وإذا لم يخرق فلا تأكل ، والمعراض سهم لا نصل له إلا أن يكون رأسه محددا ، وقيل : سهم لا ريش له فربما يصيب السهم عرضا يندق ولا يخرج ، وهو مروي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه سئل عن صيد المعراض فقال : صلوات الله وسلامه عليه ما أصاب بحده فجرح فكل ، وما أصاب بعرضه ، فلا تأكل } والحرق هو الخرق إلا أن لفظة الحرق تستعمل فيما لا حياة له ، كالثوب ونحوه ، ولفظة الخرق تستعمل في الحيوان ، وقد بينا أن الحل باعتبار تسييل الدم النجس ، وذلك يحصل إذا خرق ، ولا يحصل إذا دق ولم يخرق ، فإن ذلك في معنى الموقوذة ، وهو حرام بالنص ، وذكر عن رجل قال : كانت لبعض أهل الحي نعامة فضربها إنسان فوقذها فألقاها على كناسة وهي حية فسألنا سعيد بن جبير فقال : ذكوها وكلوها ، وبه نقول ، فإن الموقوذة إذا أدرك ذكاتها جاز تناولها لقوله تعالى : { إلا ما ذكيتم } ولحصول ما هو المقصود ، وهو تسييل الدم النجس ، ومنه دليل إباحة تناول النعامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية