صفحة جزء
{ وعن عبد الله بن أبي أوفى قال : أصبنا يوم حنين حمرا أهلية فذبحناها ، وإن القدر لتغلي بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكفئوها بما فيها ، ونهى عن أكلها } فقلنا بيننا : إنما حرمها ; لأنها نهبة لم تخمس فلقيت سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه فذكرت له ذلك فقال : بل حرمها ألبتة ، وبه نأخذ فنقول : لا يحل تناول الحمار الأهلي ، وكان بشر المريسي يبيح ذلك ، وهو قول مالك رحمه الله ، وقد روى أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن ذلك فتلت قوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية . .

( وعن ) طاوس قال : قلت لجابر بن فهر : إنكم تزعمون أن لحم الحمار الأهلي حرام قال : كان الحكم بن عمرو يقول ذلك عندنا بالبصرة فأتى ذلك الخبر يعني ابن عباس رضي الله عنهما ، وفي حديث الحر بن غالب رضي الله عنه أنه { سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لم يبق لي من مالي إلا حميرات فقال صلى الله عليه وسلم : كل من سمين مالك ، فإني إنما نهيتكم عن خول القرية } واعتبروا الحمار الأهلي بالوحشي ، فإنه مأكول بالاتفاق ، وكل حيوان وحشيه مأكول فالأهلي من جنسه مأكول كالإبل والبقر ، وما لا يكون أهليه مأكولا فوحشيه لا يكون مأكولا كالكلب والسنور ، وحجتنا في ذلك ما روينا من الحديث فيه يتبين أنه ما كان حرمها يوم خيبر لقلة الظهر ; لأنه أمر بإكفاء القدور بعد ما صار لحما ليس فيه منفعة الظهر ، وما حرمها لأنها نهبة لم تخمس ، فإنه كان مأكولا فللغانمين حق التناول منه قبل الخمس كالطعام والعلف ، وما حرمها لأنها حول القربة ، مأخوذ من الحوال متناول الجيف كالجلالة ، فإنه خص الحمر الأهلية بذلك ، وفي هذا المعنى الحمار وغيره سواء فعرفنا أنه حرمها ألبتة .

( وقد ) { روى أنه أمر أبا طلحة رضي الله عنه فنادى ألا إن الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية ، فإنها رجس } وروى ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن متعة النساء ، وعن الحمار الأهلي } ، ولما بلغ عليا رضي الله عنه فتوى ابن عباس رضي الله عنهما بإباحة المتعة فقال له نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء ، وعن الحمر الأهلية زمن خيبر فترجح الآثار [ ص: 233 ] الموجبة للحرمة ، ثم لا حجة في حديث الحبر رضي الله تعالى عنه ، فإن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : { كل من سمين مالك } أي بعه ، واستنفق ثمنه فقد يقال فلان أكل عقاره ، والمراد هذا ، وقال القائل :

إن لنا أحمرة عجافا يأكلن كل ليلة إكافا

، والمراد ثمن الإكاف ، وما نقلوه عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يكاد يصح عنه ، والمشهور عنه أنه حرم الخيل والبغال والحمير فاستدل لذلك بالآية { لتركبوها وزينة } على ما تبين ، وعائشة رضي الله عنها استدلت بعام دخله الخصوص بالاتفاق ، وقد ثبت النهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحم الحمار فكان دليل الخصوص في هذا العام ، واعتبار الأهلي بالوحشي ساقط ، فإنه لا مشابهة بينهما معنى ، والمشابهة صورة لا تكون دليل الحل ، وقد صح في الأثر أن { النبي صلى الله عليه وسلم أباح تناول الحمار الوحشي } ، كما روي { أن أعرابيا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا عفيرا أو رجل حمار وحشي فأمر أبا بكر رضي الله تعالى عنه أن يقسمه بين الرفاق . } ثم كما ورد الحديث بالأمر بالإكفاء للقدر في لحم الحمار فقد ورد مثله في الضب ، وهو حديث عبد الرحمن ابن حسنة قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصابتنا مجاعة ، ونزلنا في أرض كثيرة الضباب فأخذناها ، وأن القدور لتغلي بها فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور } ومعلوم أن تضييع المال لا يحل ، فعرفنا أن الأمر بإكفاء القدور في الموضعين للحرمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية