صفحة جزء
( وعن ) إبراهيم رحمه الله تعالى قال : لا بأس بثمن كلب الصيد ، وروي أن { النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ثمن كلب الصيد } وبه نأخذ فنقول : بيع الكلب المعلم يجوز ، وعلى قول الشافعي رحمه الله لا يجوز بيع الكلب أصلا معلما كان أو غير معلم لما روي أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب } فلو كانت مالا متقوما لما أمر بذلك ، ولأن [ ص: 235 ] الكلب نجس العين بدليل نجاسة سؤره ، فلا يجوز بيعه كالخنزير ، والدليل عليه أنه لو كان محل البيع لم يفترق بين المعلم منه وغير المعلم كالفهد والبازي ، وحجتنا في ذلك ما رواه إبراهيم من الرخصة ، وذلك بعد النهي والتحريم فيه يتبين تيسير انتساخ ما روي من النهي ، وهذا لأنهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب ، وكانت الكلاب فيهم تؤذي الضيفان والغرباء فنهوا عن اقتنائها فشق ذلك عليهم فأمروا بقتل الكلاب ، ونهوا عن بيعها تحقيقا للزجر عن العادة المألوفة ، ثم رخص لهم بعد ذلك في ثمن منتفعا به من الكلاب ، وهو كلب الصيد والحرث والماشية ، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الكلب إلا كلب الصيد ، والحرث والماشية } وروى أنه { قضى في كلب الصيد بأربعين درهما ، وفي كلب الحرث بفرق من طعام ، وفي كلب الماشية بشاة منه } .

( وعن ) عثمان رضي الله تعالى عنه أنه قضي على رجل أتلف كلبا لامرأة بعشرين بعيرا ، والحديث له قصة معروفة ، وإذا ثبت أنه مال متقوم ، وهو منتفع به شرعا جاز بيعه كسائر الأموال ، وبيان كونه منتفعا به أنه يحل الانتفاع به في حالة الاختيار ، ويجوز تمليكه بغير عوض في حالة الحياة بالهبة ، وبعد الموت بالوصية فيجوز تمليكه بالعوض أيضا ، وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين ، فإن الانتفاع بما هو نجس العين لا يحل في حالة الاختيار كالخمر ، ولا يجوز تمليكه قصدا بالهبة والوصية ، ثم الصحيح من المذهب أن المعلم وغير المعلم إذا كان بحيث يقبل التعليم سواء في حكم البيع حتى ذكر في النوادر لو باع جروا جاز بيعه ; لأنه يقبل التعليم ، فأما الذي لا يجوز بيعه العقور منه الذي لا يقبل التعليم ; لأنه عين مؤذ غير منتفع به فلا يكون مالا متقوما كالذئب ، وهكذا يقول في الأسد إن كان بحيث يقبل التعليم ، ويصطاد به ، فبيعه جائز ، وإن كان لا يقبل ذلك ولا ينتفع به فحينئذ لا يجوز بيعه ، والفهد والبازي يقبل التعليم على كل حال فجاز بيعهما كذلك .

( وعن ) جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : { نهى عن بيع الكلب والسنور } وقال أبو يوسف رحمه الله ينقض هذا الحديث في السنور حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان يصغي لها الإناء فتشرب منه } وهو مشهور عنه صلى الله عليه وسلم ، وحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء للهر ليشرب منه ثم يتوضأ } وفي هذا دليل على أنها ليست بنجسة ، وقد نص على ذلك بقوله { أنها ليست بنجسة أنها من الطوافين عليكم والطوافات } ، ويجوز الانتفاع بها من غير ضرورة ، وما يكون بهذه الصفة [ ص: 236 ] فهو مال متقوم يجوز بيعه ، والنهي إن ثبت محمول على أنه كان في الابتداء .

.

التالي السابق


الخدمات العلمية