صفحة جزء
قال : ( وإن كانت الهبة خادمة فقال : وهبتها لي ، وهي صغيرة ، فكبرت عندي ، وازدادت خيرا ، وكذبه الواهب : فالقول قول الواهب - عندنا - ) ، وقال زفر القول قول الموهوب له ; لأنه مالك لها في الحال ، وهو منكر حق الواهب في الزيادة الحادثة فيها ، فيكون القول قوله . كما إذا كان الموهوب أرضا ، وفيها بناء ، أو شجر ، وقال الواهب : وهبتها لك ، وقال الموهوب له : لم يكن فيها بناء ولا شجر حين وهبتها : فالقول قول الموهوب له . ولكنا نقول : الموهوب له يدعي تاريخا سابقا في الهبة ، والهبة حادثة ، فمن يدعي فيها تاريخا سابقا : لا يقبل قوله إلا بحجة ، ثم ليس فيها زيادة من غيرها ، وحق الواهب ثابت في عينها - باتفاقهما - فكأن الموهوب له يدعي انتفاء حقه من الزيادة المتولدة من العين - مثل السمن والكبر - بخلاف البناء والشجر ; فإنه غير متولد من الأرض ، ولكنه ملك مبتدأ للموهوب له في الحال ، وهو ينكر تملكه من جهة الواهب ، وثبوت حقه فيه يوضح الفرق أن البناء من وجه أصل ، حتى يجوز إفراده بالبيع ، [ ص: 88 ] فالظاهر فيه شاهد للموهوب له دون الواهب ، والسمن والكبر وصف ، وهو بيع محض ، وثبوت الحق في البيع بثبوته في الأصل ، فكان الظاهر شاهدا للواهب . وذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله : لو وهب له عبدا ، فعلمه الموهوب له الكتابة أو الخبز ; فليس للواهب أن يرجع فيه ، عند أبي يوسف . وقال زفر : له أن يرجع ; لأنه لا زيادة في عين الموهوب ، فهو كزيادة القيمة بتغيير السعر .

وقال أبو يوسف رحمه الله : تعلم الكتابة والخبز معني في العبد تزداد به ماليته ، فهو بمنزلة السمن ، بخلاف زيادة السعر ; فإن ذلك ينبني على كثرة الرغائب فيه ، إلا أن يكون معني في العين . والدليل عليه : أن صفة الكتابة والخبز يصير مستحقا للمشتري بالشرط ، ويثبت له الخيار عند فواته بمنزلة صفة السلامة عند إطلاق العقد . فبه يتبين أنه وصف في العين ، وكل شيء زاد فيه من غيره - نحو الثوب يصبغه ، والسويق يلته ، والثوب يخيطه - فالقول فيه قول الموهوب له ، بمنزلة البناء والغرس . وأما ما كان من حيوان : فالقول فيه قول الواهب بمنزلة الكبر في الخادم .

التالي السابق


الخدمات العلمية