صفحة جزء
قال : ( رجل صلى الظهر خمس ركعات ولم يقعد في الرابعة ، قال صلاته فاسدة ) ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه لا تفسد لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا } ولم ينقل أنه كان قعد في الرابعة ، ولا أنه أعاد صلاته ، وهو بناء على الأصل الذي بينا أن الركعة الكاملة في احتمال النقص وما دونهما سواء ، فكما أنه لو تذكر قبل أن يقيد الخامسة بالسجدة تمكن من إصلاح صلاته بالعود إلى القعود فكذلك بعدما قيدها بالسجدة ، .

( ولنا ) أنه اشتغل بالنفل قبل إكمال الفريضة ، ولأن القعدة من أركان الصلاة ، والركعة الخامسة نفل لا محالة ; لأن الظهر لا يكون أكثر من أربع ركعات ، ومن ضرورة استحكام شروعه في النفل خروجه عن الفرض ، والخروج من الفرض قبل إكماله مفسد للفرض ، بخلاف ما قبل تقيد الركعة بالسجدة ; لأن ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة ، حتى أن من حلف أن لا يصلي لم يحنث بما دون الركعة فلم يستحكم شروعه في النفل بما دون الركعة ، والحديث تأويله أنه كان قعد قدر التشهد في الرابعة ، بدليل أنه قال : صلى الظهر ، والظهر اسم لجميع أركان الصلاة ومنها القعدة وهو الظاهر ، فإنما قام إلى الخامسة على تقدير أنها هي القعدة الأولى حملا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو أقرب إلى الصواب قال : ( وأحب إلي أن يشفع الخامسة بركعة ثم يسلم ثم يستقبل الظهر ) وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى ، فأما عند محمد رحمه الله تعالى فبالفساد يصير خارجا من الصلاة ; لأن للصلاة عنده جهة واحدة ، ولأن ترك القعدة في التطوع في كل شفع عنده مفسد للصلاة ، فأما عندهما تفسد الفريضة ويبقى أصل الصلاة تطوعا فيشفعها بركعة واحدة ; لأن [ ص: 228 ] ترك القعدة عقيب كل شفع عندهما غير مفسد للتطوع ، وإن كان قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت الظهر والخامسة تطوع ; لأن قيامه إلى النافلة كان بعد إكمال الفرض فلا يفسد به الفرض ، ويشفع الخامسة بركعة فيكون متطوعا بركعتين ، وإن لم يفعل فلا شيء عليه .

وقال زفر رحمه الله تعالى عليه قضاء ركعتين وهو بناء على ما إذا شرع في صوم أو في صلاة على ظن أنه عليه ; لأن شروعه ههنا في الخامسة على ظن أنها عليه ، والأولى أن يشفعها بركعة ; لأن ما دون الركعة لا يكون صلاة تامة كما قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه والله ما أخرت ركعة قط ، وإذا شفعها بركعة فعليه أن يسجد للسهو استحسانا ، وفي القياس لا سهو عليه ; لأن تمكن السهو كان في الفرض وقد أدى بعدها صلاة أخرى ، وفي الاستحسان إنما بنى النفل على التحريمة التي يمكن فيها السهو فيأتي بسجود السهو لبقاء التحريمة وهو قياس المسبوق الذي قدمناه ، والأصح أن هاتين الركعتين لا تنوبان عن السنة التي بعد الظهر ; لأن شروعه كان لا عن قصد ولهذا لم يلزمه ، والسنة ما شرع فيه عن قصد الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما واظب عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية