صفحة جزء
قال : ( مسافر صلى في سفره أربعا أربعا ، فإن كان قعد في كل ركعتين قدر التشهد فصلاته تامة والأخريان تطوع له ، وإن كان لم يقعد فصلاته فاسدة عندنا ) ، وقال مالك رضي الله تعالى عنه يعيد ما دام في الوقت على كل حال ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه صلاته تامة وكان الأربع فرضا له ، وهو بناء على أن القصر عزيمة في حق المسافر عندنا ، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه رخصة واستدل بقوله : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } فهو تنصيص على أن أصل الفرض أربع والقصر رخصة ، { وعن علي بن ربيعة الوابي قال : سألت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما بالنا نقصر الصلاة في السفر ، ولا نخاف شيئا ، وقد قال الله تعالى : { إن خفتم } فقال : أشكل علي ما أشكل عليك فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنها صدقة تصدق الله عليكم فاقبلوا صدقته } فهو تنصيص على أن القصر رخصة ، وإن عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تتم الصلاة في السفر وعثمان رضي الله تعالى عنه صلى بعرفات أربع ركعات واعتبر الصلاة بالصوم ، فإن السفر مؤثر فيها ، ثم الفطر رخصة ومن صام في السفر كان مؤديا للفرض فكذلك القصر في الصلاة .

( ولنا ) حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : فرضت الصلاة في الأصل ركعتين إلا المغرب ، فإنها وتر النهار ثم زيدت في الحضر وأقرت في السفر على ما كانت ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه قال : صلاة المسافر ركعتان تام غير قصر على لسان نبيكم ، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال : صلاة المسافر ركعتان من خالف السنة فقد كفر وابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : صلاة المسافر ركعتان وصلاة الفجر [ ص: 240 ] ركعتان ، وسأله رجلان أحدهما كان يتم الصلاة في السفر ، والثاني يقصر عن حالهما ، فقال للذي قصر : أنت الذي أكملت ، وقال للآخر : أنت قصرت ، ولما صلى عثمان رضي الله تعالى عنه بعرفات أربعا قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام ركعتين ومع أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ركعتين ، ثم اختلفت بكم الطرق فليت حظي من الأربع مثل حظي من الركعتين ، فلما بلغ ذلك إلى عثمان قال : إني تأهلت بمكة وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من تأهل ببلدة فهو من أهلها } ، فإنكار عبد الله بن مسعود واعتذار عثمان دليل على أن فرض المسافر ركعتان إلا أن ابن مسعود أحب أن يأمن عثمان غيره ; لتكون إقامة الصلاة على هيئة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان رضي الله تعالى عنه أقام بنفسه لكثرة الأعراب بعرفات كيلا يظن ظان أن الصلاة في حق المقيم ركعتان ، والمعنى فيه أن الشفع الثاني ساقط عن المسافر لا إلى بدل ، وبقاء الفرضية يوجب القضاء أو الأداء فحين لم يثبت في حقه واحد منهما عرفنا أنه لم تبق الفرضية فيما زاد على الركعتين في حقه ، وأن الظهر في حقه كالفجر في حق المقيم ، ثم المقيم إذا صلى أربعا ، فإن لم يقعد في الثانية فسدت صلاته لاشتغاله بالنفل قبل إكمال الفرض ، وإن قعد في الثانية جازت صلاته والأخريان تطوع له فكذلك هنا وبه فارق الصوم ، فإن الفرضية لما بقيت هناك لم ينفك عن قضاء أو أداء . وتأويل حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ما قيل : إنها كانت تتنقل من بيت بعض أولادها إلى بيت بعض فلم تكن مسافرة ، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فاقبلوا صدقته } ما يدل على أن القصر عزيمة ; لأنه أمر به ، والأمر يدل على الوجوب ، وتأويل الآية التجوز في القراءة والأركان عند الخوف ، فأما صلاة المسافر عرفناه بالسنة كما روينا من الآثار .

التالي السابق


الخدمات العلمية