صفحة جزء
ولو ابتاع قلب فضة وزنه عشرة بعشرة دراهم ، وتقابضا ثم حط عنه درهما ، وقبل الحط ، وقبضه بعد ما افترقا من مقام البيع ، أو قبل أن يفترقا ; فسد البيع كله في قول أبي حنيفة ، وفي قول أبي يوسف : الحط باطل ، ويرد الدرهم عليه ، والعقد الأول صحيح ، وفي قول محمد - رحمه الله - : العقد الأول صحيح ، والحط بمنزلة الهبة المبتدأة ، له أن يمتنع منه ما لم يسلمه ، ولو زاده في الثمن درهما ، وسلمه إليه فسد العقد في قول أبي حنيفة ، وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - : الزيادة باطلة ، والعقد الأول صحيح ، وكذلك لو شرطا بعد العقد لأحدهما خيارا أو أجلا ، يفسد به العقد في قول أبي حنيفة ، وعندهما يبطل هذا الشرط ، والعقد الأول صحيح ، وكذلك في البيع إذا ذكر فيه شرطا فاسدا بعد العقد ، وعند أبي حنيفة يلتحق ذلك بأصل العقد حتى يفسد العقد ، وعندهما يبطل هذا الشرط ، وحجتهما في ذلك : أن الشرط ، والزيادة بيع في العقد ، ولا يجوز أن يكون البيع في الشيء مبطلا لأصله ; ولأن في إثبات الزيادة ، والشرط المذكور إبطاله ; لأن صحة ذلك بصحة العقد ; فإذا أثبتنا ذلك على سبيل الالتحاق بأصل العقد يبطل العقد به ، وببطلان العقد ، تبطل [ ص: 83 ] الزيادة ، فيكون هذا اشتغالا بما لا يفيد ، وأبو حنيفة يقول : المعنى الذي لأجله يلتحق الشرط الصحيح والزيادة بأصل العقد موجود هنا ، وذلك المعنى هو : أنهما قصدا تغيير وصف العقد ، يجعل الخاسر رابحا ، واللازم غير لازم ، والتصرف في العقد إليهما ، ألا ترى أنهما يملكان فسخه وإبقاءه ، فكذلك يملكان تغيير وصفه ; لأن صفة الشيء تملك بملك أصله

وهذا المعنى موجود هنا ، فإنهما غيرا وصف العقد من الجواز إلى الفساد ، وإليهما ذلك ، فما وقع عليه الاتفاق بعد العقد ، يجعل كالمذكور في أصل العقد ، ولو ذكر في أصل العقد ثبت ، وإن فسد به العقد ، فكذلك إذا ذكر بعد العقد ، ألا ترى أن أحد المتصارفين إذا وهب بدل الصرف قبل القبض من صاحبه ، وقبل فإنه يفسد به العقد ، بالطريق الذي قلنا : فكذلك إذا رده في بدل الصرف ، ومحمد فرق بين الحط ، والزيادة فقال في الحط : إيفاء العقد الأول مع أن تصحيح الحط ممكن ; بأن يجعل ذلك هبة مبتدأة ، فيصار إليه ، كما لو اشترى ثوبا بعشرة فحط البائع عنه الثمن كله بعد القبض ، وقبله ، فإنه يصح الحط بطريق الهبة المبتدأة ، ويجعل البيع صحيحا بخلاف الزيادة ; لأنه لا وجه إلى ذلك فصرف إلى إلغاء الزيادة ، وتصحيح العقد الأول ، ولكن هذا ليس بصحيح ; فإن حط جميع الثمن يتعذر إلحاقه بأصل العقد ; لأنه يخرج به العقد من أن يكون بيعا ، ويصير هبة ، ولم يقصد المتعاقدان ذلك بأصل السبب ; فلهذا جعلناه هبة ، وهنا لو ثبت حط البعض على وجه الالتحاق بأصل العقد ، لم يخرج العقد به من أن يكون صرفا كما باشراه ، وإنما يفسد به العقد ، والفاسد من جنس الزائد ، ألا ترى أن الوكيل لا يضمن بالفساد ، والوكيل بالبيع إذا وهب كان ضامنا ، يوضح الفرق أن الحط لإخراج العين من العقد ، أو لإدخال الرخص فيه ، والإنسان لا يصير مغبونا بجميع الثمن ; فعرفنا أنه بحط الجميع قصد البر المبتدأ فجعلناه هبة كذلك وهو يصير مغبونا ببعض الثمن في عقد الصرف ، كما يصير مغبونا في عقد البيع ، فيكون الحط لإدخال الرخص فيه ، ولا يحصل ذلك بجعله هبة مبتدأة ; فلهذا التحق بأصل العقد ، إلا أنه يشترط قبول الآخر هنا ، بخلاف الحط في سائر البيوع ; لأن في صحة هذا الحط إفساد هذا العقد ، ولا ينفرد أحد المتعاقدين بإفساد العقد ، وهناك في تصحيح الحط إسقاط ذلك القدر من الثمن ، والإسقاط يتم بالمسقط ، وحده .

التالي السابق


الخدمات العلمية