صفحة جزء
وما كان من النفخ غير مسموع فهو تنفس لا بد للحي منه ، فلا يفسد الصلاة ، وإن كان مسموعا أفسدها في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - ولم يفسدها في قول أبي يوسف إلا أن يريد به التأفيف ، ثم رجع وقال صلاته تامة ، وإن أراد به التأفيف ، واستدل بما روي : { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صلاة الكسوف أف أف ألم تعدني أنك لا تعذبهم وأنا فيهم } ، ولأن هذا تنفس وليس بكلام فالكلام ما يجري في مخاطبات الناس وله معنى مفهوم ولهذا قال في قوله الأول إذا أراد به التأفيف ، وهو في اللغة أفف يؤفف تأفيفا كان قطعا ، ثم رجع فقال عينه ليس بكلام فلو بطلت صلاته إنما تبطل بمجرد النية وذلك لا يجوز وقاسه بالتنحنح والعطاس ، فإنه لا يكون قطعا ، وإن سمع فيه حروف مهجاة ، وهو أصوب .

( ولنا ) حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : { أن النبي - عليه الصلاة والسلام - مر بمولى له يقال له رباح ، وهو ينفخ التراب من موضع سجوده فقال : أما علمت أن من نفخ في صلاته فقد تكلم } ، ولأن قوله " أف " من جنس كلام الناس ; لأنه حروف مهجاة وله معنى مفهوم يذكر لمقصود قال الله - تعالى - : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } فجعله من القول والقائل يقول

أفا وتفا لمن مودته إن غبت عنه سويعة زالت     ، وإن مالت الريح هكذا وكذا
مال مع الريح أينما مالت

.

التالي السابق


الخدمات العلمية